نوار الدمشقي نوار الدمشقي

إن خليت خربت.. بس القصة مو بالنخوة

وقت منحكي عن رفع الأسعار والاستغلال من وجعنا، وماحدا بيسمعنا من المسؤولين، وخاصة وقت منربطها مع رواتبنا اللي صفيانة بلا طعمة وقت منقرشها بالسوق، يعني: عيار الراتب زيارتين تلاتة بالكتير ع الأسواق، ويا دوب تجيب كم غرض ضروري مو أكتر.

من يومين كنت بسوق الجمعة بالشيخ محيي الدين، طبعاً زحمة كتير، والبسطات والمحلات معباية من خيرات الله، خضار وفواكه وحشائش ولحوم وحلويات، وشو بيخطر ع بالك من كل ما لذ وطاب، والناس بالأصل عندها شهوة مبيتة من الصيام المفروض عليها كل شهور السنة بسبب عباد الله البلهموطية الكبار.. فكيف بصيام رمضان..
المهم الناس عم تمشي بالسوق، رايحة وجاية، بس يادوب كل واحد منهم حامل كيس أو كيسين صغار مو أكتر.. وطبعاً السبب معروف.. برغم كل هالبضايع الموجودة والمشهيات.. وبرغم كل الأخد والعطا والمفاصلة، والأيمان المغلظة أنو بتوفي مع البياعين أو ما بتوفي..
بكل حالة الهرج والمرج بالسوق.. لفت نظري ست خمسينية عند بسطة خضرة.. أخدت كيس نايلون.. وحطت بقلبو (5 بندورات و3 حبات بطاطا وبيتنجانة وحدة وقرنين فليفلة وراس بصل يابس) وبس عداً ونقداً لاغير.. وعطت الكيس للبياع ليحسب حقهم.. البياع ما استغرب ورغم هيك قلها الله يسامحك يا أختي.. عطيني ياهن مفرقين كان أريحلي لأن كل شي بسعر.. المهم البياع اختصر ع حالو وعليها وما زانهم.. وقلها عطيني فيهم 200 ليرة.. وخديلك كم بندوراية زيادة مشان تظبط طبخة الكواج.. والله يسامحني ويسامحك.. طبعاً الست ما كذبت خبر عطتو الـ 200 ليرة.. وزادت 3 قراص بندورة ع الكيس متل ما قلها الخضري.. وتيسرت وهي عم تقلو الله يرزقك ويسامحنا..
بعد ما غابت الست عن النظر بيعقب صاحب البسطة: بتعرف أنو هي المستورة برقبتها أيتام عم تربيهم.. وكل كم يوم بتجي بتاخد شوية خضرة ع قدها.. يعني يادوب لطبخة صغيرة تمضي يومها مو أكتر.. أحيانا بحاول ما آخد منها بس ما بترضاها ع حالها بتحس كأني عم مس بكرامتها.. بتقوم بتترك وبتمشي.. والله معها حق.. مشان هيك صرت راعيها مو أكتر.. الله يعينّا.. لك الناس شو بدها إلا تعيش بكرامتها..
رديت عليه: أكيد ح تعمل الكواج بلا لحمة..؟
ضحك وقال: لك إذا نحنا البسطاتية المضروبين بحجر كبير نسينا الهبرة وصفيانين ع الجاج.. وعم نشكي من الغلا ومن تجار سوق الهال الكبار ومن اللي ما بيرحمو وعم يتنشو فينا ع الطالعة والنازلة بالسوق.. ويا دوبنا نكمل شهرنا.. فكيف هدول المقطوعين؟.. والله شي بيكفر وبيخلي الواحد يطلع عن دينو.. أستغفر الله.. إني صائم..
بيقولو إذا خليت خربت.. بس ما بقدر عمم اللي شفتو من تعاطف عند صاحب البسطة.. لأن في غيرو كتار الله لا يوريكم.. كمان لا بيرحمو ولا بيخلو رحمة الله تنزل.. والأكيد في متل هالست كتار من المقهورين والمحرومين.. ومن اللي متل حكايتنا منهوبين وضايعة حقوقنا ومنشوف المغريات بالأسواق ومنتحسر.. بس ع الأقل يمكن هالنخوة هية الدليل أنو لسا ما خليت فعلاً وأنو لسا في أمل.. وأنو المشكلة مو بالناس ولا بالمجتمع والأخلاق متل ما بيحاولو يوحولنا دائماً.. رغم أنو القصة وصلت عند الناس للكفر..
يعني مصايبنا الكتيرة والنهب الزايد والحقوق الضايعة والكرامة المهدورة ما بتنحل لا بالنخوة ولا بالشفقة ولا بدها سفق منية ع الطالعة النازلة.. لأن بالأصل هي حقوق الناس اللي مسؤولة عنها الحكومة.. وتاركة الحبل ع الغارب فيها..!!
لك الفقر وهدر الكرامة هو الكفر بعينو.. والناس ما بدها النخوة والشفقة والتعاطف يا حكومة.. لأ.. بدها حقوقها منك ومن غيرك.. وبدها تحصلها.. عاجلاً أو عاجلاً.. ترى مو مطولة ها..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
913