قطاع الدواجن مزيد من الخسائر والتراجع
يُعتبر قطاع الدواجن من قطاعات الإنتاج الهامة في سورية، وحاله كحال الإنتاج الزراعي يُعاني من كم كبير من المشاكل والصعوبات والمعيقات التي تستنزفه عاماً بعد آخر، بالإضافة طبعاً إلى ما تعرضت له منشآته من دمار وتخريب خلال سنوات الحرب والأزمة.
فقد تلقى هذا القطاع الكثير من الضربات المباشرة خلال السنوات الماضية، ما أدى بالنتيجة لخروج العديد من منشآته من الخدمة، وخاصة خلال عامي 2017- 2018، وقد كان السبب الرئيسي في ذلك، هو: تراكم الخسارات على حساب المربِّين.
معادلة الإنتاج والاستهلاك
الحديث عن القطاع وأهميته، واتساعه وتعدد أشكال العمل فيه، بين الحكومي والخاص والأهلي، والوفر الاقتصادي الذي كان يحققه، ومساهمته الجدية على مستوى استقرار الأمن الغذائي خلال عقود طويلة، وفرص العمل الكبيرة التي يوفرها، والشرائح الاجتماعية العديدة التي تعمل به، هو حديث واسع ومتشعب، لكنه بالمقابل يدفعنا لتوجيه الأنظار إلى السياسات الحكومية المتبعة تجاه هذا القطاع الهام.
فهذا القطاع يُعتبر إنتاجياً، وهو على ذلك يُعاني من مشكلات الإنتاج والتسويق، فالمنتج النهائي لهذا القطاع (الفروج- البيض) هو سلعة تخضع لآليات العرض والطلب في السوق، والمرتبطة بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمستهلكين، وعند الحديث عن المشاكل والصعوبات التي يتعرض لها هذا القطاع من أجل حلّها وتذليلها، يجب التركيز على طرفي المعادلة (الإنتاج- الاستهلاك والتسويق) معاً، كي نصل للجدوى المنشودة، في حال توفرت النوايا الحقيقية لمعالجة مشاكل هذا القطاع الهام.
مستلزمات الإنتاج
على مستوى الإنتاج فهو كغيره يُعاني من أزمة مستمرة على مستوى ارتفاع تكاليف مستلزماته، وخاصة الأعلاف والأدوية والمعدات والتجهيزات الخاصة بالمزارع وهي بغالبيتها مستوردة وبيد التجار، بالإضافة طبعاً إلى تكاليف الطاقة (كهرباء- محروقات)، مع عدم تغييب التكاليف الخاصة بعمليات نقل المنتج النهائي إلى أسواق الاستهلاك، وغيرها من التكاليف الأخرى، بما في ذلك الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة التي يتكبدها المربّين، والداخلة بالنتيجة ضمن جملة التكاليف النهائية للإنتاج.
غالبية مستلزمات الإنتاج يتحكم بها المستوردون الكبار، وهي خاضعة دائماً لتذبذب سعر الصرف، وذلك لقصور ومحدودية دور الجهات الحكومية على مستوى تأمينها للمربّين بالسعر وبالوقت المناسب.
المربون يؤمنون الجزء الأساسي من مستلزمات إنتاجهم عبر الاستدانة من الموردين، والسداد لاحقاً يرتبط بدورة الإنتاج في منشآتهم، حالهم بذلك كحال جميع العاملين في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ومع تراكم الخسائر السنوية وتزايد الديون، تخرج المزيد من المنشآت من الخدمة، وصولاً بالنتيجة لتراجع القطاع بشكل عام.
وتأكيداً لذلك، أوضح رئيس لجنة مربي الدواجن في اتحاد الغرف الزراعية، عبر إحدى وسائل الإعلام، مؤخراً: «أن شريحة واسعة من المربّين تصل لنحو 30 بالمئة انقطعت عن التربية بسبب منافسة الفروج المهرب، وتعرضهم لخسارات متلاحقة وعدم قدرتهم على الاستمرار في تحمل ذلك».
التسويق والاستهلاك
قطاع الدواجن (الحكومي- الخاص- الأهلي) ذو إنتاجية مرتفعة، وهو يؤمن حاجة الاستهلاك المحلي من الفروج والبيض، مع وجود فائض دائم منه بحاجة لأسواق خارجية من أجل التصريف، ما يجعل من المشكلة أكبر وأعقد بالنسبة للمربّين باعتبارهم غير متحكمين بحلقات التسويق، كما أنهم معرضون للخسائر بسبب زيادة العرض في الأسواق الداخلية مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، في ظل تدني معدلات الاستهلاك بشكل عام ارتباطاً بتدهور القدرة الشرائية وتراجع المستوى المعيشي للمواطنين، بالإضافة إلى وجود المنافسة مع المُهَّرب داخل الأسواق، والنتيجة: أنّ أسعار السوق تصبح دون أسعار التكلفة بالنسبة للمربّين، ما يعني المزيد من الخسائر المحققة.
المعاناة من فائض الإنتاج سابقاً كانت تنعكس سلباً على المربّين، بحيث تخرج بعض المنشآت عن الخدمة لدورة أو دورتين إنتاجيتين، ثم تعاود الإنتاج مع تحسن الأسعار مجدداً، إلّا أن استمرار الخسائر لدروات إنتاج متلاحقة خلال السنتين الأخيرتين تحديداً أدى إلى خروج الكثير من المنشآت من العملية الإنتاجية بشكل نهائي، وهي سابقة لم يشهدها القطاع خلال تاريخه.
أسعار دون التكلفة أو تقاربها
واقع الحال يقول: إن أسعار منتجات هذا القطاع (الفروج- البيض) تعتبر مرتفعة في السوق المحلية، علماً بأنها غالباً ما تكون دون سعر التكلفة بالنسبة للمنتجين، وأحياناً تقاربها مع هامش ربح بسيط يكاد لا يغطي المصاريف على الاحتياجات والضرورات المعيشية لهؤلاء، حالهم كحال بقية الشرائح الاجتماعية المفقرة، فهؤلاء أولاً وآخراً مزارعون وفلاحون ومنتجون صغار، غالباً ما يكونون عرضة للاستغلال من قبل حلقات الوساطة المرتبطة بإنتاجهم، فقطاع الدواجن السوري، وبرغم قدمه واتساعه، إلّا أنه لا يمكن اعتباره صناعة مستقطبة للرساميل الكبيرة حتى الآن، ربما يُستثنى من ذلك القطاع الحكومي الذي يعاني ما يعانيه أيضاً، بالرغم من كونه مهيأً ليشكل صناعة حقيقية ووازنة.
على سبيل المثال، بحسب أحد المربين، فإن تكلفة 1 كغ فروج حي في أرض المزرعة تقدر بحدود 650 ليرة، يباع بين 700- 750 ليرة، ويصل للسوق ليباع بين 850- 900 ليرة.
المستهلك بمواجهة المنتج الصغير
كثر الحديث مؤخراً عن الفروج التركي وإجراءات مكافحة تهريبه، وتم تجيير جزء من هذه الإجراءات باعتبارها شكل من أشكال دعم المنتجين المحليين، ومقارنة أسعار الفروج في السوق التي لم تنخفض بالنتيجة، مع توجيه إصبع الاتهام لهؤلاء المنتجين الصغار، بحيث تم زج هؤلاء في مواجهة مباشرة مع المستهلكين لتصويرهم كمسؤولين وحيدين عن ارتفاعات الأسعار، بعيداً عن الحديث عن تكاليف مستلزمات الإنتاج المرتفعة، وبعيداً عن الاستغلال الذي يتعرضون له من قبل حلقات الوساطة، سواء على مستوى التسويق المحلي، أو على مستوى عمليات التصدير، برغم ندرتها وكثرة الوعود المتعلقة بها، وبعيداً عن استغلال هذه الحلقات للمستهلك النهائي بالنتيجة، والأهم بعيداً عن توجيه الأنظار إلى السياسات الحكومية التي تساهم في تعزيز تراجع وانحسار الإنتاج بشكل عام، وذلك لابتعادها عن دعم العملية الإنتاجية على مستوى مدخلاتها ومخرجاتها، وترك الحبل على الغارب أمام كبار المستوردين والتجار ليتحكموا بهذه العملية.
الدّعم له آلياته على طرفي المعادلة
تدَّعي الحكومة بأنها تقدم الدعم لهذا القطاع، وذلك عبر تخصيص بعض المبالغ النقدية باسمه، لكن الواقع العملي يشير إلى تراجعه، وإلى تزايد أعداد منشآته التي تخرج تباعاً من العملية الإنتاجية بسبب الخسائر المتتالية التي يتكبدها المربون، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الشكل من الدّعم النقدي لا يصل غالباً للمربين.
وبهذا الصدد نعيد التذكير بالمعادلة أعلاه (إنتاج- استهلاك وتسويق)، فالدّعم الحقيقي يجب تقديمه على طرفي المعادلة كي تستقيم الأمور بالنسبة لهذا القطاع.
ولعل المطلوب هو دعم مستلزمات العملية الإنتاجية بجميع مكوناتها، وخاصة الأعلاف والأدوية، وغيرها من المستلزمات المستوردة المرتبطة بالدولار، بعيداً عن جشع كبار التجار والمستوردين المتحكمين بهذه المستلزمات وأسعارها بالنتيجة، والخطوة الأولى في هذا المجال: أن تقوم الدولة عبر جهاتها الحكومية بتأمين هذه المستوردات وتوزيعها على المربين بأسعارها المنطقية، وربما على دفعات، خاصة وأن هناك مؤسسات وجهات عامة بالأصل معنية مباشرة بهذه المهام، كسراً للاحتكار وآليات التحكم بالأسعار، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه على مستوى توفير الطاقة وأسعارها، مع إعادة النظر بالكثير من الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة المرهقة المفروضة على هذا القطاع.
وعلى مستوى الاستهلاك والتسويق لعل الخطوة الأولى هي: إعادة الاعتبار لمعدلات الاستهلاك الطبيعي لمنتجات هذا القطاع على المستوى المحلي، والتي تراجعت بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الماضية بسبب تدهور الوضع المعيشي عموماً، والمرتبط بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمواطنين ومتوسط الدخل الشهري لديهم، أي: عبر رفع الأجور وتحسين المستوى المعيشي بشكل فعليّ، ثم أن تقوم جهات التسويق الحكومية بتحمل مسؤولياتها على مستوى تسويق جزء من الإنتاج في الأسواق المحلية لتكون أداة تدخل فاعلة على مستوى الضبط والتحكم بالسعر والكميات، وبآليات العرض والطلب فيها، وأن تعمل على إعادة فتح قنوات التصدير لتسويق فائض الإنتاج، أي: تنفيذ جزء من الوعود على هذا المستوى، بما يحقق الجدوى الاقتصادية للمربّين وللاقتصاد الوطني، بعيداً عن هيمنة المصدرين وكسراً لتحكمهم على هذا المستوى.