المنتخب المتنفّس الروحي لنا
يتصدّر النقاش عن المنتخب الوطني المشارك في نهائيات كأس آسيا أحاديث فئات واسعة من الأوساط الاجتماعية حالياً، ويمثّل الشكل الذي سيظهر فيه بالبطولة عنواناً بارزاً للنقاشات الجماعية في كل مكان، ولا يحتاج الأمر لتبيان ذلك سوى القيام بجولة بسيطة في الأماكن العامة والأسواق والتي تشهد حركة تجارية نشطة شبيهة لتلك في مواسم الأعياد مع الإقبال الشعبي على اقتناء كل ما يخص المنتخب.
المشاركة بهوية جديدة.
يدخل منتخبنا الوطني للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته إلى البطولة القارية الأقوى بصفة «المنافس لا المشارك فقط» ولأسباب أصبحت معروفة، والأخبار التي وردت من معسكر المنتخب الأخير في دمشق والمعسكر الختامي في الإمارات، تعكس حالة «مزاج جيد» للاعبينا وإحساساً بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم في تحقيق نتائج قوية، بعد حالة التحضير النوعية التي جاءت في سياق استعداداتهم للبطولة عبر الشهور الماضية.
مما فتح أبواب الرهانات والتكهنّات على قدرة الفريق بالذهاب بعيداً في أدوار البطولة.
موسم عيد جديد.. وهمّنا تسليط الضوء
التقينا بمجموعة من العمّال العاملين في سوق الحميدية، والذين أكدوا لنا أنّ المحلات التجارية شهدت حركة نشطة لا مثيل لها إلا في فترة الأعياد، فصور لاعبي الفريق خير دعاية لمنتجات المحلات التي يعملون بها، عدا عن تنوّع كبير في البضاعة المعروضة في السوق من ناحيتي الشكل والأسعار، والتي دفعت الناس بشكل غير مسبوق نحو شرائها.
كما أكدوا أنّ التوحّد الجماهيري في دعم المنتخب الوطني أكسبهم أصدقاء جدداً أثناء خروجهم المباشر من صلاتهم في الجامع الأموي، وأثناء عملهم طوال الوقت في تعاملهم مع الناس كذلك، وحتى لدى عودتهم إلى منازلهم في وسائل النقل لمجرّد سماعهم أغنية للفريق عبر أثير الإذاعة.
كما التقينا بمجموعة من الشباب الرياضي الباحثين عن سعيهم المتواصل في العمل على إحدى صفحات دعم المنتخب والرياضة السورية، وتسليط الأضواء على مكامن الظلام التي تعّج بالمواهب البعيدة عن النور، وحفاظاً على الحالة الجماهيرية لها، والارتقاء بها نحو مستوى فكري جديد أكثر شمولية، بشكلٍ علمي قدر الإمكان، ووفقاً لإمكاناتهم المتاحة.
أهلية المنتخب الوطني
في تمثيل الشعب؟
منذ أكثر من شهرٍ مضى، وتحديداً بعد ختام المنتخب الوطني لمبارياته الودية الدولية حينما واجهه الفريق الكويتي، وهناك مطالب إعلامية وجماهيرية عبر المواقع الإلكترونية المختلفة بضرورة تسهيل المهمّة على لاعبي الفريق الوطني في سبيل الحفاظ على حالة التوحّد الجماهيري تلك، وتحقيق فرحة لشعب يعاني الأمرين في ظروف الحرب، وقد سمينا هذه المطالب بالعادة أو التقليد ضمن الوسط الرياضي من جماهير وفنيين في مقالٍ سابق، والتي يعتبر خرقها إحدى المحرمات التي لا يجرأ أحد على إعلانها بشكل مباشر. إلّا أنّ الملاحظ في الأيام الأخيرة من تحضيرات المنتخب ظهور أصوات تهمس هنا وهناك، والتي تكشف عن فهمٍ قاصر لطبيعة الإطار الروحي الجامع «كحاجة بشرية» الذي يوفرّه المنتخب لأبناء شعبنا من الفقراء والتشكيك بأهلية الفريق بتمثيله لهم، ولذلك نود التنويه لجملة من التساؤلات والملاحظات لأصحاب الهمسات تلك:
المؤسسة الرياضية حالها كحال أية مؤسسة أخرى في البلد، تعاني الترهّل والفساد، وتحتاج للتغيير.
2- النقلة النوعية التي أوجدها لاعبو منتخبنا في حياتهم تعود إلى احترافهم الخارجي، والذي نقلهم إلى حياة أكثر رفاهية وطوّر من مستوياتهم الفنية، وليسوا منفصلين عن جمهورهم، وحتى الآن على سبيل المثال لا الحصر يواصل بين كل فترة وأخرى نجم المنتخب «عمر السومة» بدعم خزينة ناديه الأم «الفتوة» وهو الذي يعاني في دوري الظلام من ضائقة مالية لا تنتهي ولا يكترث لها أي مسؤول.
3- لطالما ربطت دول كبرى مشاركات رياضيها بهيبة كيانها وعزّة تاريخها وعنفوان شعبها، كي تؤكد تفوقها على دول أخرى.
4- في ظل الثقافة السائدة في العلاقة بين الفرد والمجتمع والقائمة على الاستغلال، لن نصل إلى رياضة حقيقية تعتبر حقّاً من حقوق المواطن المهضومة بفعل الفساد، وفي ظل حالة الفلتان المعيشي فمن الطبيعي اعتبارها ترفاً وبذخاً لا فائدة منه.
5- من يتاجر برغيف الخبز، لن يوفّر فرصة استثمار محبة نجوم المنتخب في أكثر الأوساط جماهيرية وحماساً، دعماً لاستثماراته الخاصة.
6- جمهور المنتخب السوري والدوري المحلي، وصل إلى التصنيف الثاني من ناحية الكمّ الجماهيري على المستوى العربي قبل الأزمة، وليس جمهوراً يتفاعل بشكل سلبي على مواقع التواصل الاجتماعي في أوقات فراغه، ولا بدّ من التمييز بين مشجّع المنتخب الوطني وفريق بلدته، وبين مشجّع الكافيتريات والمطاعم لفرق عالمية لا تمت لنا بصلة، وعلى سبيل المثال جمهور فريق الساحل من محافظة طرطوس يشارك للمرة الأولى في الدوري الممتاز، ولديه محبون يتحملون عناء السفر بتكاليفها الباهظة، دعماً لأصدقائهم الرياضين والفريق الممثّل لمدينتهم في مبارياته في محافظات أخرى.
7- من وحي السذاجة فقط، تقييم الدور الذي يلعبه المنتخب الوطني في لمِّ شَمْلِ شعب مشتت، بشكل جامد، ومن وجهة نظر شخصية دون الانتباه للأثر الاجتماعي الذي يشكله، بل وحصره في جزئية الاستثمار السياسي والاقتصادي له.
الترويح في الرياضة؟
دعوا المنتخب الوطني وشأنه، فهو من الظواهر القليلة التي ظهرت أثناء الأزمة، وقد خلق أجواء من الإثارة والحماس وشكّل متنفساً روحياً لأبناء شعبنا.
تابعوا لقاءات المنتخب وادعوا له التوفيق بتقديم لقاءات قوية تثلج صدور شعبنا.
من الأفضل لنا أن نميل إلى التفكير والبحث عن حلول عملية وواقعية لطابع حياتنا القائم على الروتين والتبلّد والاستغلال وغيرها من المشاكل، قبل التسرّع في إطلاق عنان الإثارة المؤقتة التي يطلقها البعض من أصحاب الفهم القاصر لأهمية كيان المنتخب والهالة المقدسّة المحاط بها من ملايين عشاقه داخل و خارج الوطن.
أغلق تحرير المادة في صباح يوم اللقاء الافتتاحي لمنتخبنا الوطني يوم، وكلنا أمل بمحالفة الحظ لنسور المنتخب «نسور قاسيون» بتحقيق فوز مستحق في لقائهِ الافتتاحي في البطولة، والوصول إلى المربّع الذهبي كما يطمح لاعبو فريقنا..