إبرة بنج جديدة.. 50 ألف ليرة لـ 2% من الطلاب الجامعيين
حظي قرار الهيئة العامة لصندوق التسليف الطلابي، القاضي بمنح طلاب الجامعات والمعاهد الحكومية قرضاً شخصياً بقيمة 50 ألف ليرة، بتغطية إعلامية ودعائية وترويج وتسويق ربما أكبر من حجمه ونتائجه، على الرغم من أهمية وضرورة مثل هذا الإجراء، ومع عدم بخس هذا القرار حقه، ما يذكرنا بقرض المستلزمات المدرسية الشبيه بالمضمون وبالتغطية والترويج.
فقد أقرت الهيئة منح هذا القرض وبهذه القيمة وبلا فوائد، على أن يتم تسديده تقسيطاً خلال عشرة أشهر، بواقع 5 آلاف ليرة كل شهر، بدءاً من الشهر الذي يلي استلام القرض. كما حددت موعد بدء قبول الطلبات من الطلاب للعام الدراسي الحالي، اعتباراً من 2/12/2018 ولغاية 31/12/2018، موجهة الدعوة لهؤلاء لمراجعة فروع الهيئة في الجامعات والمعاهد كافة في مختلف المحافظات.
2% مستفيدون فقط
المؤكد، أن هذا القرض، وفقاً لحيثياته وسقفه، لا يمكن له أن يغطي إلا بعض التكاليف المحدود للطالب، فهو من الناحية العملية بالكاد يمكن أن يغطي تكاليف رسوم التسجيل وقيمة الكتب والمحاضرات بالنسبة لطلاب التعليم النظامي فقط لا غير، وهو ما أكده رئيس فرع الهيئة بجامعة دمشق، حيث قال: «إن الهدف من هذه الخطوة مساعدة الطلاب على تأمين مصاريف التسجيل والكتب وجميع ما يحتاجونه في حياتهم الجامعية»، مبيناً: «أن الهيئة بإمكانها منح هذا القرض لـ 5 آلاف طالب، وذلك وفق مفاضلة تجرى لطلبات الراغبين بالاستفادة منه».
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك مئات الآلاف من الطلاب في جامعة دمشق وكلياتها ومعاهدها، لكم أن تتخيلوا النسبة الضئيلة من الطلاب التي ستستفيد من ميزة القرض، مع عدم إغفال عوامل المحسوبية والواسطة، بغض النظر عن آلية المفاضلة التي سيتم العمل من خلالها لتحديد المستحقين، ولكم أن تتخيلوا الازدحام على فرع الهيئة بدمشق، وبقية الفروع، اعتباراً من مطلع الشهر الحالي، وقد بدأت فعلاً.
فعدد طلاب جامعة دمشق يقدر بحدود 500 ألف طالب وطالبة، ربما نصفهم تعليم موازي، فيبقى بحدود 250 ألف هم المشمولون بالقرار من الطلاب في التعليم النظامي، ومع سقف 5 آلاف طالب هم المستفيدون، تصبح نسبة التغطية لعدد هؤلاء الطلاب بحدود 2% فقط، وهي نسبة ضئيلة جداً، وربما ستكون كذلك حال النسب في بقية فروع الهيئة في الجامعات الأخرى.
وبالحساب الرقمي على مستوى المبالغ المخصصة لهذه الغاية يتبين أن فرع الهيئة بجامعة دمشق خصص مبلغ 250 مليون ليرة ليتم منحها كقروض للطلاب استناداً للقرار أعلاه، وباعتبار أن حيثيات القرار حددت فروع الهيئة التي يفترض أن يتوجه إليها الطلاب وهي: «دمشق وحلب وحمص واللاذقية ودير الزور وطرطوس وحماة والسويداء ودرعا والحسكة»، فإن ذلك يعني أن هناك 10 فروع ستخصص كل منها مبلغاً مشابهاً حسب الملاءة المالية لديها، أي: أن هناك مبلغاً إجمالياً سيتم تخصيصه لهذه الغاية سيكون بحدود 2 مليار ليرة تقريباً، وهو ربما يعتبر كبيراً بالنسبة لإمكانات مصرف التسليف الطلابي بواقعه الراهن، وبناء عليه ربما لا يجب بخس القرار حقه من هذه الزاوية.
اعتراف بعوز الطلاب
لا شك أن منح الطلاب قروضاً شخصية بلا فوائد هو أمر إيجابي وامتياز يجب تعميمه وتعميقه، مع توسيع قاعدة المستفيدين منه، ورفع سقفه وزيادة مدة تقسيطه، خاصة في ظل الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي عموماً، وما يتكبده الطلاب وذووهم، وخاصة محدودي الدخل وفقراء الحال، من نفقات- تعتبر كبيرة بالنسبة إليهم- على التعليم ومستلزماته واحتياجاته، اعتباراً من رسوم التسجيل، مروراً بقيمة الكتب والكراسات والمراجع، وليس انتهاءً بأجور المواصلات والنفقات النثرية اليومية الأخرى، وهو على ذلك يعتبر عاملاً مساعداً ومشجعاً على استمرار الطلاب بالعملية التعليمية، وعدم الانقطاع عنها، خاصة وأن غالبية الطلاب أصبحوا مضطرين للبحث عن فرص عمل من أجل تغطية تكاليف تعليمهم، ومساعدة ذويهم على مستوى تحمل جزءٍ من أعباء الإنفاق الشهري على الضرورات الحياتية.
لكن ما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد هو: الاعتراف الضمني بأن واقع الطلاب، كما غيرهم من الشرائح الاجتماعية المُفقرة الأخرى، أصبحوا معوزين وبحاجة للمساعدة حتى على مستوى تغطية تكاليف أبسط الأمور، والمتمثلة بالرسوم السنوية وقيمة الكتب، وربما القرار أعلاه مع حيثياته، ونتائجه المحدودة والمسقوفة سلفاً، يذكرنا بقرار القرض المدرسي، الموجه لمحدودي الدخل من الموظفين والعاملين في الدولة، الذي سُقف بنفس المبلغ في حينها، مع حملات الدعاية المرافقة والبهرجة التي حظي بها في حينه، ونتائجه المحدودة بالنتيجة. على ذلك فإن القرض الطلابي، رغم محدودية المستفيدين منه، لن يُخرج الزير من البير على مستوى واقع الطلاب واحتياجاتهم ومتطلباتهم.
عَوْرة السياسات والحلول الترقيعية
واقع الحال يقول: إن الواقع المزري الذي أوصل الطلاب وذويهم للعوز، حتى على مستوى عبء تغطية تكاليف رسوم التسجيل السنوية، هو نتيجة لجملة السياسات الحكومية المتبعة، وخاصة على مستوى تردي الواقع الاقتصادي المعيشي بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب.
على ذلك فإن معالجة هذا الواقع المزري، مع نتائجه السلبية والعميقة على غالبية الشرائح الاجتماعية، لا يمكن لها أن تتم من خلال مثل هذه الإجراءات، المحدودة وذات الطابع المؤقت، وذات المضمون الدعائي أكثر من كونها تحمل مضامين اقتصادية اجتماعية حقيقية، فهي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، كون المشكلة أكبر وأعمق من ذلك بكثير، وهي ليست من مسؤولية صندوق التسليف الطلابي أو غيره، بل هي مسؤولية الحكومة وسياساتها المُفقرة المتبعة، والتي أصبحت الضرورة الحياتية والموضوعية تقتضي تغييرها جذرياً.
فلسان حال الطلاب، كما بقية الشرائح الاجتماعية المُفقرة، يقول: كفى التفافاً على الحقوق، فقد اكتفينا من المسكنات وإبر البنج، فَعَوْرة السياسات لا تُغطيها الحلول الترقيعية ذات الطابع والمضمون الدعائي فقط!