ضبابية مشهد المنتخب تنقشع مع انطلاق دعمه
أنهى منتخبنا الوطني مبارياته الاستعدادية لبطولة كأس آسيا 2019 والمقررة بداية العام القادم، بعد أن لعب ثماني مباريات تجريبية، تخللها معسكر تدريبي في دولة النمسا، وذلك ضمن إطار الخطة التي وضعها مدرب فريقنا الألماني شتينغه.
وجاءت نتائج الفريق بتأثيرها محيّرة لآراء الشارع الرياضي من فنيين وجماهير، لا سيما وقد تفاوت مستوى الفريق بين لقاء وآخر، في ظل اعتماد مدربنا على إستراتيجية جديدة في الإعداد عنوانها «التجريب والانضباط».
كان المستوى مغايراً عمّا كان عليه في التصفيات المونديالية، باعتماد مدربنا على أسلوب جديد قائم على الاستحواذ، ومن ناحية أخرى لم يثبت الألماني على تشكيلة واحدة، فجرّب العديد من اللاعبين، الأمر الذي لم يشفع له بالفوزين المحققين على فريقي البحرين والكويت من الانتقادات الجماهيرية بتأثير خسارتين أمام قيرغيزستان والصين، والتعادلات الأربعة مع فرق العراق وقطر وأوزبكستان وعُمان، لا سيمّا مع استبعاده لعناصر أساسية تعتبر عماد الفريق.
عناوين المرحلة «البديل والانضباط والاستقلالية»
يُرجع السيد شتينغه توقّف مشوار منتخبنا الوطني في تصفيات كأس العالم عند المحطة الأسترالية إلى غياب اللاعب البديل المناسب عن الفريق في ذلك اللقاء، فذهب إلى تجريب أكبر كم ممكن من اللاعبين المؤهلين لتمثيل الفريق، انطلاقاً من قناعته بالمستويات التي يظهرون عليها مع أنديتهم، كما أظهر حزماً شديداً، غير مألوف سابقاً في منتخباتنا، بتشديده على نجوم المنتخب من الناحية الانضباطية، فاستمر بتجاهل المدافع أحمد الصالح رغم الحاجة له حتى اللقاءين الأخيرين، وبالغ بإبعاد كابتن الفريق فراس الخطيب نهائياً عن التحضيرات، دون أن يجد آلية متوازنة في التعامل معهم، فيصم آذنيهِ عن الأصوات الكثيرة المطالبة باستدعائهم، ويُغفل أن العقلية الألمانية جديدة على منتخبنا، ولم يسبق له التعرّف عليها عملياً.
ومع بدء العد التنازلي لانطلاق البطولة، يصبح عامل الوقت ضاغطاً بشدة، فأداء الفريق لا يُطمئن، والمدرب العجوز صاحب الراتب الخيالي يرد على الانتقادات ببرودة، في حين ذهب أصحاب شعار «سورية بروسيا» برد ضعيف بعد نشر رئيس الاتحاد ومدير المنتخب «فادي الدباس» على صفحته الشخصية خبراً يفيد بنيته التدخل لإعادة الأمور لمسارها الصحيح، ليتهّم بذلك بالبقاء على عادة تدخّل المسؤول بعمل المدرب، قبل أن يعود ويستدرك خطأه بالتأكيد على استقلالية المدرب، وأنه لا يبدي سوى وجهة نظر ويشاركه تحمّل المسؤولية، ويدافع عن شعاره الجديد «سورية بين الأربعة الكبار».
منتخب الـ23 مليون خبير
في ظل معاناة شعبنا من تأثيرات الأزمة الوطنية أمناً ومعيشةً، ظهر المنتخب الوطني في التصفيات المونديالية كظاهرة جامعة لهم روحياً. وإن كانت الرغبة بعودة الفريق إلى التألق مرة أخرى في البطولة القادمة طموحاً جميلاً يدغدغ المخيلات، فإنّ أية محاولة للعبث بالفريق مرفوضة شعبياً، والتقدّم التكنولوجي أتاح منابر عديدة للتعبير عن الآراء، ليتكنى المنتخب بمسمّى منتخب الـ23 مليون خبير، وفي الحقيقة هو كذلك لعدّة أسباب:
- مع تباعد الفترات الزمنية للصفحة الرسمية الخاصة للمنتخب الوطني في نشرها أخبار المنتخب، فإنه من الطبيعي أن تكثر الصفحات الإعلامية الداعمة للفريق.
- يعتبر «عماد خانكان»، وهو أحد الخبرات الوطنية، أنّه لمن الخطأ تسليم مهمّة مدير المنتخب لشخصية غير رياضية، وذلك في تصريحه الأخير لموقع «كووورة العالمي»، وبالتالي من الطبيعي أن يصغي الجمهور لمدرب ربّى أجيالاً وصنع فرقاً أكثر من المحتكر لرئاسة لجان اتحاد الكرة العديدة ورئاسة المنظمة كذلك، وهو من خارج الملاك الرياضي.
- سيبقى رئيس الاتحاد حاملاً على عاتقه ثقل المناصب التي احتكرها بسلطان ماله، وسيتحمّل مسؤولية تجاهله لأهمية تعيين مدير للمنتخب يحظى بثقة الشارع الرياضي، فعمل مدير الفريق مختلف عن عمل رئيس اتحاد لعبة بكامل تفاصيلها.
- سيبقى جمهور الـ23 مليون خبير محتفظاً بذاكرته مما جرى في الانتخابات الكروية الأخيرة في المؤسسة، بعد أن خسر لاعبنا الدولي السابق عبد القادر كردغلي، المعروف شعبياً «بالملك»، عضوية اتحاد الكرة، ولم ينل سوى 3 أصوات، في الوقت الذي نال غيره العشرات منها ممّن لا يساوونهُ قدرة وخبرة.
- لقد جربّ جمهور الـ23 مليون خبير الاتحادات المتعاقبة كثيراً، ولم يلقوا سوى الخيبات المتتالية، وكان آخرها «اتحاد سورية بروسيا وهو ذاته اتحاد سورية بين الأربعة الكبار». وبالتالي فجمهورنا ينطلق من حقائق ووقائع وليس من شعارات أكبر من أصحابها.
- يصنّف جمهور الـ23 مليون خبير ما يقوم به الاتحاد ضمن إطار الواجب على من يدير دفّة قيادة العمل، وليس ضمن إطار الحسنات والبطولات، وكأنّ ما تمّ القيام به عمل خارق لمخلوق فضائي عجيب القدرات.
- أكبر فضائل جمهور الـ23 مليون خبير ترفعّه عن المشاكل الكثيرة التي تحدث في دورينا وتفاصيل عمل المنظمّة، وتوحدّه تشجيعاً للمنتخب.
العودة للدّعم
يضاعف العامل الزمني ضغطه على الجميع، لتأتي التجربة الأخيرة للمنتخب مع فريق الكويت كالدواء الشافي لجميع عاشقي المنتخب، بالنتيجة المحققة والأداء المتوازن للاعبي الفريق؛ ليعود جمهورنا مطالباً بدعمه والنسيان المؤقت لما هو غير واضح؛ والعودة للتحفيز مع قرب الاستحقاق، لا سيمّا وأنّ لاعبي الفريق كما تبين متابعون لما يُكتب على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي عادة متأصلة تهدف إلى تسهيل المهمّة على اللاعبين.
وأخيراً، مثلما لا نستطيع تجاهل حالة الحيرة المرسومة على أداء الفريق، فإننا لا نستطيع تجاهل العروض القوية لمنتخبنا في التصفيات المونديالية، والتي جاءت ضمن ظروف محيرة أكثر، لا سيمّا وأنّ الفريق افتقد للروح القتالية المعروفة عنه سابقاً بحكم الطابع الودي والتجريبي للمباريات التي لعبها، وبالتالي لا يجب أن تُعطى أكثر مما تستحق، مع ضرورة الانتباه إلى أنّ الفريق للمرة الأولى يُحضَّر بهذا الكم من المباريات التجريبية، وأنّ لعقلية المدرب الجديد عناوين لا نستطيع نكرانها وهي: البديل والانضباط وأسلوب الاستحواذ، وهو ما لم نشاهده سابقاً في منتخباتنا الوطنية السابقة.
لن يحسم الجدال سوى المستوى الذي سيظهر عليه الفريق في النهائيات، وكان الله بعوننا جميعاً إلى حين إعلان صافرة انطلاق البطولة. فمع تتالي الوقت وتقارب الاستحقاق ستتسارع دقات قلوبنا جميعاً، المليئة حباً لنجوم منتخبنا وشديدة الغيرة على سمعة نسور قاسيون، وإلى حينه لكل حادث حديث