«الكعكة بإيد الفقير عجبة».. ورُبّما الرغيف!
تدل بعض المؤشرات إلى أن الحكومة مقدمة على رفع جديد لأسعار بعض المواد والسلع الغذائية بشكل رسمي، فالحديث عن إعادة النظر بسعر الكعك مثلاً يعتبر مدخلاً لدراسة تكاليف إنتاج هذه السلعة، اعتباراً من الدقيق وليس انتهاءً بالمحروقات، ولا غرابة أن يؤدي ذلك إلى تعميم هذه الدراسة على بقية السلع الغذائية التي تدخل بمكونات إنتاجها هذه المواد الأولية بكل أريحية، كالخبز السياحي والصمون والخبز السكري والحلويات و...
ما يخشاه المواطن، هو أن يصل أمر تعميم إعادة دراسة تكاليف بعض المكونات أعلاه إلى رغيف الخبز التمويني المدعوم، خاصة مع انتشار بعض الإشاعات حول ذلك، برغم النفي الرسمي لها.
قيد الدراسة؟
قد كشف أحد أعضاء جمعية حماية المستهلك، عبر إحدى وسائل الإعلام، عن وجود دراسة لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من أجل إعادة النظر بسعر كيلو الكعك، بحيث يصبح 950 ليرة بدلاً من 750 ليرة، وبأن الدراسة مقدمة من الجمعية الحرفية لصناعة الخبز والكعك والمعجنات بدمشق، استناداً إلى ارتفاع تكاليف إنتاج هذه السلعة من مواد أولية ومحروقات.
فذريعة ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج على أيّة سلعة من أجل رفع سعرها ليست جديدة وغير مستغربة، كما لم يعد مستغرباً التجاوب الرسمي مع المطالبات برفع الأسعار استناداً لهذه الذريعة من قبل القطاع الخاص، خاصة وأن الجهات الحكومية نفسها تعتبر سباقة في هذا الميدان، مع عناوينه وذرائعه المختلفة. أما ما يفقأ العين فهو استمرار التعالي على الواقع المعيشي المتردي لعموم المواطنين، والضرب بعرض الحائط بهذا الواقع يوماً بعد آخر، مع استمرار الوعود الخلبية بتحسين هذا الواقع!
تعالٍ وطبقية ولا مبالاة رسمية
قد يقول قائل: إن هذه السلع الغذائية (الكعك- الخبز السياحي- الخبز السكري- الحلويات.. وغيرها) أصلاً ليست موجهة لأصحاب الدخل المحدود وفقراء الحال، وبالتالي لن تنعكس ارتفاعات أسعارها سلباً على متطلبات حياتهم المعيشية اليومية.
القول أعلاه، وبرغم كل ما فيه من تعالٍ وفوقية وطبقية، إلّا أنه مع الأسف أصبح حقيقة واقعة، حيث باتت «الكعكة بإيد الفقير عجبة» فعلاً في ظل التردي المستمر للواقع المعيشي لعموم المواطنين، وخاصة في ظل هذا الانفلات والتفلت للأسعار وجنوحها المستمر نحو الارتفاع، مع استمرار تسجيل اللامبالاة الرسمية تجاه هذا الواقع المعيشي المأساوي، الذي أوصل العباد لهذا الدرك من العوز والاستخفاف بمتطلباتهم وضروراتهم، وصولاً لاعتبار الكعك والحلويات من السلع الترفية غير الموجهة لعموم المستهلكين، بل للنخبة من هؤلاء.
رفع سعر استباقي على أعين الرقابة
واقع الحال يقول: إن السعر الرسمي المحدد للكعك أو للخبز السياحي والصمون والخبز السكري والحلويات قد تم تجاوزه في الأسواق منذ مدة، على أعين حماية المستهلك ومراقبيها، وقد بدأت موجة جديدة من رفع السعر لهذه السلع الغذائية مؤخراً بالتوازي مع الدراسة المقدمة أعلاه، واستباقاً لنتائجها من الناحية العملية.
فكيلو الكعك يصل لـ 1000 ليرة، وأحياناً أكثر من ذلك، وربطة الخبز السياحي وصلت لـ 350 ليرة، بينما حددت نشرة الأسعار المعمول بها، والتي لم تُعدل بعد، بأن كيلو الكعك يجب ألّا يتجاوز سعره الـ 750 ليرة، وكيلو الخبز السياحي يجب ألا يتجاوز الـ 300 ليرة، وقس على ذلك من أمثلة أخرى على أسعار السلع الغذائية التي يعتبر الدقيق مكوناً أساسياً فيها.
في المقابل، تبدو ذريعة ارتفاع التكاليف مستهلكة وفي غير محلها، فقد شهدت أسعار هذه السلع الغذائية رفعاً متتالياً بأسعارها خلال السنوات الماضية، ولا يوجد طارئ على أسعار مكوناتها مؤخراً بما يؤدي أو يفرض إعادة دراستها تمهيداً لرفع سعرها، خاصة وأن بعض هذه المكونات سبق وأن تم رفع سعرها بذريعة ارتفاع سعر الصرف للدولار في مقابل الليرة، ولم يتم تخفيضه بالتوازي مع انخفاض سعر الدولار لاحقاً، وحتى الآن.
الدخان والنار
الازدحام على الأفران، وتدني مواصفة رغيف الخبز، والحديث الرسمي عن كميات استهلاك المواطن اليومي والشهري والسنوي من هذه المادة، وإعادة التذكير بالدعم المصروف على هذه السلعة، بالتوازي مع إعادة النظر بسعر الكعك والخبز السياحي وتوابعها من السلع التي يدخل الطحين كمكون أساس فيها، وما جري من رفع سعر مسبق لهذه السلع في السوق، تبدو مقدمات معززة للإشاعات التي تحدثت عن رفع سعر رغيف الخبز مؤخراً، برغم النفي الرسمي لها، خاصة مع التجارب المرة السابقة للمواطنين على مستوى آليات رفع الأسعار لبعض السلع وتخفيض الدعم عن بعضها رسمياً، والتي تبدأ بإشاعة بين التأكيد والنفي، لتتعزز بالحديث عن تكاليف مفرداتها مع ذرائع تصحيح الأسعار وتوجيه الدعم لمستحقيه، وتنتهي برفع السعر الذي ينوء بحمله المواطن بالنتيجة.
فقد صرح مدير الشركة العامة للمخابز، عبر إحدى الصحف المحلية، بأن: «مخصصات الفرد من مادة الدقيق التمويني في السنة تبلغ 100 كيلو غرام، أي: ما يعادل 275 غرام دقيق تمويني في اليوم، لتكون حصة الفرد السنوية من مادة الخبز حوالي 115 كيلو غراماً من الخبز والتي يبلغ سعرها 5750 ليرةً سوريةً باعتبار ثمن كيلو غرام الخبز 50 ليرة سورية».
وقد سبق ذلك حديث لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأن «تكلفة ربطة الخبز هي 200 ليرة على الحكومة بينما يتم بيعها بـ 50 ليرة»، نافياً أية نية لرفع هذا السعر، بالمقابل فقد صرح وزير المالية أيضاً بأن «العجز التمويني الناجم عن دعم الخبز يصل إلى 380 مليار ليرة سنوياً».. وغيرها من التصريحات الرسمية بما يخص الرغيف والطحين والقمح، وما يوازيها من ممارسات وحقائق على الأرض، اعتباراً من مواسم القمح وصفقات استيراده، مروراً بالدقيق التمويني إنتاجاً وتوزيعاً وتخفيض مخصصات وتهريباً للسوق السوداء، وليس انتهاءً من غض الطرف على ما يجري على مستوى بيع ربطات الخبز «المدعوم» أمام الأفران بسعر 100 أو 150 ليرة للربطة، على أعين الرقابة التموينية وبتواطؤ مع بعض الفاسدين في الأفران.. وهلم جراً..
فهل كل هذا الدخان بلا نار؟ وهل من نار بلا واقدين ومستفيدين منها؟
حرق الأصابع
لعل القطع مع الإشاعة وفقاً لخاتمتها المشؤومة أعلاه، والرد عليها رسمياً، يكون بعدم الموافقة على رفع الأسعار وفقاً لذرائع التكلفة المعادة والمستهلكة، بل والعمل على تخفيضها وفقاً لدراسات التكلفة الحقيقية بعيداً عن أوجه المحاباة والفساد، وخاصة على إثر تسجيل انخفاض بسعر الدولار مقابل الليرة وثبات سعره نوعاً ما باعتباره كان الذريعة الأبرز من أجل رفع الأسعار خلال السنوات الماضية، والعمل على «تصحيح الأسعار» بما يتناسب مع القدرة الشرائية لعموم المواطنين من أصحاب الدخل المحدود وفقراء الحال، وليس بما يتناسب مع مصالح كبار التجار والمستوردين، مع إعادة الاعتبار لمضمون الدعم قولاً وفعلاً وليس استهلاكاً إعلامياً، بالإضافة إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، مع جهود إضافية صادقة في الأسواق منعاً للتلاعب بالسعر والمواصفة والجودة، مع المحاسبة الجدية على المخالفات والفساد.
فنار الغلاء والفساد واللامبالاة والاستهتار أكلت الأخضر واليابس، ولم يبق أمامها إلّا أن تبتلع موقديها والمستفيدين منها.. وهنا ربما لا بد من التذكير بالمثل القائل: «لا تلعب بالنار بتحرق أصابيعك»!