اللاجئون السوريين ومعاناة الضغط والابتزاز
أزمات اللاجئين السوريين والصعوبات الحياتية اليومية التي يواجهونها، وخاصة في دول الجوار، ما زالت على حالها، بل وتزداد سوءاً يوماً بعد آخر.
وعلى الرغم من أن هذا الملف ما زال يفعل فعله على مستوى البازارات بين الدول، وبداخلها، تسييساً وابتزازاً، إلا أنه في المقابل انخفضت قيمته التداولية على المستوى الإعلامي كملف إنساني، توازياً مع انخفاض المساعدات التمويلية له.
فقد حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مجدداً، نهاية شهر أيار الماضي، من آثار نقص التمويل لبرامج المساعدات المقدمة للاجئين السوريين والدول المستضيفة، والذي يعني انقطاع المساعدات وتوقف بعض البرامج الضرورية.
مؤتمر صحفي وبيان
لقد قال مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمين عوض، خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس 31/5/2018 في الأردن: «تقدمت منظمات الأمم المتحدة بنداء للحصول على 5,6 مليارات دولار لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، لكن لم يتم الحصول سوى على 18 إلى 20% من قيمة النداء».
وأعربت المفوضية، في بيان لها، عن «خشيتها من انقطاع المساعدات وتوقف بعض البرامج الضرورية، بما يبقي مزيداً من الأطفال خارج المدارس، ومزيداً من المرضى دون علاج، ومزيداً من عمالة الأطفال، ومزيداً من زواج القاصرات، حيث تشكل الحياة اليومية تحدياً بالنسبة إلى العديد من اللاجئين وأفراد المجتمعات المضيفة، في ما يتعلق بإيجاد فرص عمل وتأمين القوت».
ودعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «لتوفير مبلغ 450 مليون دولار تقريباً على نحو عاجل لضمان عدم فقدان ما يزيد عن مليون لاجئ سوري ونازح داخلي للدعم المتعلق بالحماية والمساعدات الأساسية في النصف الثاني من عام 2018».
وقالت أيضاً: «سوف يمكّن مبلغ 388,5 مليون دولار تقريباً المفوضية من مواصلة برامجها الأساسية في النصف الثاني من العام في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، بما في ذلك أنشطة المساعدات النقدية والصحة والمأوى».
وأشارت إلى «وجود ما يزيد عن 5,6 ملايين لاجئ سوري مسجل عبر المنطقة، منهم 2,6 مليون طفل، تبقى احتياجات العائلات السورية اللاجئة ملحة، إذ لا يملك العديد منها ما يُغطي أساسيات الحياة، كالرعاية الصحية والتعليم. وتساعد برامج المفوضية الأفراد على تلبية احتياجاتهم الأساسية وتُجنّب العائلات الوقوع في براثن فقر مدقع».
كما «تطالب المفوضية بتوفير نحو 64 مليون دولار لمعالجة الاحتياجات الأكثر إلحاحاً وشدّة للنازحين داخل سورية. فمع نزوح مئات الآلاف منذ بداية العام، يواجه العديد من الأشخاص ظروفاً يائسة بشكل متزايد ويعتمدون على دعم ومساعدات المفوضية والشركاء الإنسانيين الآخرين في تلبية احتياجاتهم الأساسية اليومية. ومع وجود تمويل إضافي، يمكن للمفوضية زيادة أنشطتها سريعاً على مستوى القطاعات الأساسية كالحماية والمأوى وتوفير المواد الأساسية».
ضغط واستثمار سياسي
على الطرف المقابل، ومع انخفاض معدلات المساعدات والتمويل الخاصة باللاجئين السوريين في الدول المضيفة، وانخفاض تأثير الملف على مستوى العملية السياسية في البلاد وفقاً لأهواء ومصالح بعض الدول، وخاصة بعد فرض الحل السياسي بموجب القرار 2254، زادت بعض الدول من عوامل الضغط على اللاجئين، كما ارتفعت وتيرة الاتجار السياسي بمأساتهم.
فها هو رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، يستثمر مجدداً بملف اللاجئين السوريين في لبنان، لكن هذه المرة من بوابة وبذريعة القانون رقم 10 الخاص بالمناطق التنظيمية في الداخل السوري، حيث «اعتبره وسيلة لمنع اللاجئين من العودة إلى وطنهم».
كذلك أعلن الرئيس اللبناني ميشيل عون: «أن وقت التحذيرات قد انتهى في حل قضية اللاجئين السوريين إلى لبنان، مشدداً على ضرورة إعادتهم إلى المناطق الآمنة في سورية دون انتظار حل الأزمة السورية».
أما في تركيا، فلم يخرج ملف اللاجئين السوريين فيها من أن يكون متضمناً في البرامج والحملات التحضيرية للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، وذلك ضمن إطار التعبئة تأثيراً في الشارع التركي.
وفي خطاب للرئيس التركي أردوغان مطلع أيار الماضي، «اتهم الاتحاد الأوروبي بخرق التزاماته بشأن اتفاق اللاجئين، مشيراً إلى أن بروكسل سلمت فقط 1 مليار يورو إلى أنقرة، بدلاً من 6 مليارات موعودة».
وفي ألمانيا، أعلن وزير الداخلية في شهر نيسان الماضي، إنه «يميل إلى نهج سلوك أكثر تشدداً تجاه اللاجئين الذين تم رفض طلبات لجوئهم». مضيفاً: «من لم يحصل على حق البقاء في ألمانيا، ويرفض العودة الطوعية إلى وطنه، يجب أن يحصل فقط على المساعدات العينية وليس النقدية».
وفي اليونان، أصيب 11 شخصاً على الأقل من طالبي اللجوء جراء اشتباكات اندلعت بين اللاجئين والشرطة في مخيم «موريا» في جزيرة ليسبوس اليونانية، وذلك خلال شهر آذار الماضي، حسب وسائل الإعلام، والتي أكدت أن «الاشتباكات اندلعت بعد محاولة انتحار سوري في المخيم نتيجة سوء الأوضاع التي يعاني منها اللاجئون».
وفي نهاية شهر أيار الماضي، أطلقت الحكومة النمساوية خطة جديدة لتقليص المخصصات المالية المقدمة للاجئين والأجانب على أراضيها. وبموجب الخطة فإن «المبلغ الشهري الذي يحصل عليه اللاجئ حُدد عند 650 دولاراً كحدٍ أقصى، كما يمكن للسلطات النمساوية إخضاع أطفال اللاجئين للعقوبات، ومعاملتهم كبالغين في حال ارتكابهم جرائم، وترحيلهم خارج البلاد. بالإضافة إلى زيادة فترة حصول الأجانب واللاجئين على الجنسية النمساوية، من ست إلى عشر سنوات، من تاريخ دخولهم للبلاد».
تواطؤ إعلامي غير إنساني
طبعاً لا يمكن إغفال نتائج وتأثيرات هذه المواقف الرسمية على مستوى تغذية المواقف المتطرفة والعنصرية تجاه اللاجئين في مجمل هذه البلدان، خاصة وقد تم تسجيل الكثير من السلوكيات المتطرفة والعنصرية تجاههم خلال السنوات الماضية، والتي تزايدت وتتزايد، سواء بسبب حملات التعبئة والتحريض الرسمي وغير الرسمي، والأهم: بسبب عدم حل هذا الملف بشكل نهائي.
والأسوأ، هو: أن معاناة هؤلاء اللاجئين التي تتزايد يوماً بعد آخر، وتنعكس بالمزيد من السلبيات على حياتهم وأمنهم ومعاشهم، جراء نقص التمويل للمساعدات، وجراء الممارسات العنصرية تجاههم، أصبحت بعيدة عن وسائل الإعلام، التي لم تعد تغطي هذه المعاناة أو تتناقلها وتسلط الأضواء عليها، بل على العكس من ذلك، حيث أصبحت بعض وسائل الإعلام تقوم بممارسة أدوارٍ تحريضية إضافية على هؤلاء اللاجئين، في تواطؤ غير إنساني ومفضوح مع القائمين على السياسات في بلدان اللجوء، بما يتوافق مع حملات الاستثمار والابتزاز القائمة بعمق هذا الملف، وبعيداً عن مصلحة أصحابه.
العودة الكريمة والآمنة
أخيراً، مما لا شك فيه: أن حل ملف اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء، وخاصة في الدول المجاورة، يتجلى عملياً في العودة الآمنة والكريمة، الإرادية والطوعية، لجميع هؤلاء إلى مدنهم وبلداتهم وبيوتهم في سورية، وهو ما يحلم به هؤلاء منذ سنين.
وبعيداً عن المزاودات والاستثمار السياسي بهذا الملف الإنساني، فإن ذلك لا يمكن له أن يجد النور إلا عبر حل الأزمة السورية حلاً كاملاً ومستداماً وقابلاً للحياة، وهو ما يمكن توفيره عبر الالتزام بتنفيذ القرار 2254 بحذافيره دون زيادة أو نقصان، وبعيداً عن التفسيرات والتأويلات أحادية الجانب له، مع التأكيد على أن كل عرقلة في المضي قدماً بمسيرة الحل السياسي وفقاً لهذا القرار، لا تعني إلا المزيد من الآلام، والمزيد من تداعيات الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون جميعاً، في الداخل والخارج.