المخيم والحجر.. بقايا الذاكرة بين الركام

المخيم والحجر.. بقايا الذاكرة بين الركام

حُررت منطقة مخيم اليرموك والحجر الأسود من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، واستعادت الدولة السيطرة عليها باعتبارها استكمالاً أخيراً على مستوى بسط سيطرة الدولة على كامل أحياء دمشق وريفها القريب والبعيد.

وقد كانت فرحة أهالي المنطقة كبيرة جداً بهذا الانتصار، حيث تسارعوا متقاطرين من أجل العودة إليها، عند الإعلان عن فسح المجال أمامهم للدخول من أجل الاطمئنان على بيوتهم وممتلكاتهم.
أشكال القهر المتعددة
أهالي المنطقة، حالهم كحال السوريين جميعاً، مرت على كل منهم كل أنواع وأشكال القهر والمرارة طيلة السنوات الماضية، اعتباراً من قهر النزوح اضطراراً على إثر المعارك الدائرة بحثاً عن السلامة والأمان، مروراً بقهر البحث عن مكان إقامة مؤقت يقيهم شرور التشرد، وما يترتب على ذلك من قهر شهري يتمثل ببدلات الإيجار المرتفعة التي يدفعونها، والرفع المتتالي لها عاماً بعد آخر أو التعرض للطرد منها، على حساب معيشتهم وضروراتهم الحياتية اليومية، وليس انتهاءً بقهر الموت والفقد والإصابات والإعاقات الجسدية والنفسية بنتيجة الحرب والأزمة، ولتتوج أخيراً بقهر التعفيش ونهب الممتلكات، ناهيك عن قهر الدمار الذي أتى على مناطقهم وبيوتهم.
نهب استفزازي أمام الأعين
كل من استطاع الدخول إلى المنطقة للاطمئنان على بيته وممتلكاته، بعد ساعات من الانتظار الطويل والمرير على الحواجز، والتي لم تخل من بعض أوجه الإذلال، عاد أدراجه مكتئباً حزيناً ومقهوراً.
غالبية هؤلاء لم تسعفهم الصلابة التي امتلكوها جراء تعرضهم لعوامل القهر التي مرت عليهم طيلة السنين الماضية، فأجهشوا في البكاء عند مشاهدتهم ما حل ببيوتهم وممتلكاتهم من دمار وخراب، ومن لم يجهش في البكاء حبس دموعه حسرة وكمداً، ومن لم يبك على بيته وممتلكاته بكى على هموم الناس المرتمية على الأنقاض، وعلى بقايا الذاكرة المندثرة بين الركام والأطلال.
أما القهر الأكبر فقد كان بعدم تمكن هؤلاء من إخراج بعض بقايا ممتلكاتهم المتهالكة، بمقابل مشاهدتهم لعمليات النهب والسرقة لهذه الممتلكات أمام أعينهم، والأسوأ هو بعض المساومات التي يقوم بها هؤلاء الناهبون على هذه الممتلكات عبر محاولات بيعها لأصحابها ومالكيها، بكل وقاحة وتبجح.. هكذا وبدون التمكن من الاعتراض، حتى ولو بالكلام!
شهود وشهادات
مشاهد عمليات السرقة والنهب كانت ملفتة للنظر، بحسب بعض مقاطع الفيديو والصور المسربة من المنطقة، وقد كان لهذه المشاهد أثر سلبي إضافي في نفوس أهالي المنطقة.
فقد قال أحدهم: «يمكن لو رحنا ع بيتنا بعد انتهاء عمليات السرقة وبدون ما نشوف اللي شفناه بعينا هنيك أو بالفيدوهات كانت نص مصيبة، وسعرنا بسعر كل أهالي المناطق التانية اللي نسرقت ع السكيتي، بس تعاقبنا كلياتنا عقوبة جماعية إضافية بهي المناظر والصور، خاصة أنو الكل شافها وع عينك يا تاجر، والمسؤولين لا مين شاف ولا مين سمع.. لك لهلأ الشاحنات بتفوت فاضية بتطلع محملة بشقا عمر الناس وتعبهم وكأنو ما حدا شايفها.. ونحنا إذا بدنا نطلع مكواية ما بيخلونا!»
شاهد آخر قال: «رحنا.. وياريت ما رحنا.. لا هاد مخيمنا، ولا البيوت بيوتنا، وفوق كل هاد ما لقينا غراض بيتنا، علماً أنو مبارح صورولنا ياهم جيرانا!»
بينما قالت إحداهن: «أول يوم وصلت ع بيتي.. مدمر ومسروق كتير من غراضنا.. وبقيان شوية عفش وكهربائيات متضررة، ما سموحولنا نطلع إلا شوية تياب وبس، بعد يومين رجعت ما لقيت شي من بقية الغراض اللي كانت موجودة، كلها نسرقت!»
وبحرقة قال أحدهم: لك مو تاركين لا باب ولا شباك ولا شريط كهربا بالحيطان.. العمى جراد مو هيك.. حتى الحيطان لو بتنباع بالسوق لفكوها وأخدوها..
وقال آخر: اليوم زرت المخيم لم أتوقع ما شاهدته.. دمار فظيع حتى البيت الواقف ما بينسكن.. ماضل لا بيت ولا حيط راحت ذكرياتنا وكل شي حلو بحياتنا .. الله لا يسامح يلي كان السبب.
تشويه الإنجازات والتضحيات
إن خطر هذه الظاهرة التي تفشت في الكثير من المناطق، تكمن في أنها تعدي صارخ على حقوق المواطنين وممتلكاتهم، وهي ممارسات جرمية بالتوصيف القانوني من جهة، ومن جهة اخرى أنها تسيء وتشوه الإنجازات المحققة عبر دحر الإرهاب والارهابيين من هذه المناطق تباعاً، مع كل التضحيات المقدمة على مذبح تحرير هذه المناطق من الإرهابيين.
والانكى من هذا وذاك، هو: اللامبالاة الرسمية تجاه هذه الممارسات ونتائجها، سواء على المستوى الفردي بالنسبة للممتلكات، أو على المستوى الوطني بالنسبة لتشويه الإنجازات والتضحيات، لتأتي أخيراً كل الممارسات المعيقة التي تحول دون عودة الأهالي إلى أحيائهم ومناطقهم وبيوتهم من أجل استعادة الاستقرار فيها، وليستعيد هؤلاء حياتهم ودورهم الاقتصادي والاجتماعي مجدداً.
ولعل ما يجب التركيز عليه بكل فعالية وجدية، هو تذليل: الصعوبات كافة والمعيقات أمام العودة والاستقرار، مع الإسراع بإعادة تأهيل المناطق على مستويات البنى التحتية والخدمات كافة، بالإضافة إلى أهمية صرف التعويضات العادلة للمتضررين، على مستوى الأبنية والممتلكات، والإسراع بذلك كونها حقاً وواجباً.