زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة
أديب خالد أديب خالد

زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة

أُعلن عن مشروع قانون لتعديل بعض نصوص قانون العقوبات العام فيما يتعلق بعقد الزواج خارج المحكمة، حيث نص المشروع على فرض عقوبة الحبس من عشرة أيام إلى ستة أشهر، على كل من يعقد زواجاً خارج المحكمة.

 

وينص المشرع على أن تفرض عقوبة مالية من خمسة إلى عشرة آلاف ليرة سورية على من يعقد زواجاً خارج المحكمة، بعدما كانت الغرامة تتراوح بين مئة ومئتين ليرة سورية فقط.
وعدل المشرع المادة 649 من قانون العقوبات المتعلقة بزواج القاصرات، ليفرض عقوبة الحبس من شهر إلى سنة على من يعقد زواج قاصر لم تُتِم الثامنَ عشرة خارج المحكمة المختصة دون موافقة الولي، وتفرض العقوبة نفسها على المتعاقدين وممثليهم والشهود الذين حضروا الزواج بصفتهم هذه.
الزواج العرفي
رغم أن المشرع يقصد مكافحة ظاهرة الزواج العرفي، كما هو مفهوم من مشروع القانون، حيث انتشر هذا النوع من الزواج بشكل خطير خلال فترة الحرب والأزمة لعدة أسباب، إلا أن العقوبات المقترحة على هذا النوع من الزواج ليست بكافية.
فهناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الزواج العرفي، منها: قانون الأحوال الشخصية نفسه، والفقه والتشريع الإسلامي، الذي يعتبر هذا النوع من الزواج صحيحاً طالما توافرت أركان عقد الزواج الأخرى فيه، بالرغم من نتائجه الكارثية على المجتمع، والتي لا يسعنا ذكرها هنا، وبالتالي كان على المشرع تشديد العقوبة أكثر، وخاصة لما يسببه من آثار ضارة على المجتمع، وصولاً لاعتباره باطلاً بحال كانت الغاية مكافحة ظاهرة انتشاره.
فعقد الزواج العرفي يتم اللجوء إليه إما ظناً أنه الأكثر شرعية بسبب عقده من شيخ، وإما لاستسهاله للسرعة مثلاً، أو لعدم الحصول على بعض الموافقات، أو نتيجة للعادات والتقاليد، أو نتيجة لظروف عديدة أخرى انتشرت خلال سني الحرب والأزمة.
منع زواج القاصرات
خارج المحاكم فقط!!
إن المقترح على تشديد العقوبة على زواج القاصرات العرفي فقط دون إيجاد حل لمكافحة هذه الظاهرة ليس كافياً، حيث لم يمنع القانون هذه الظاهرة التي تعتبر جريمة بحق الطفولة.
فقد سمح قانون الأحوال الشخصية في المادة الثامنة عشرة منه بزواج القاصر شرط موافقة الولي، واقتصر التعديل المقترح على تشديد العقوبة على زواج القاصرات العرفي فقط، أي: الذي يتم خارج المحكمة المختصة، كما أن العقوبة لا تعتبر عقوبة رادعة من حيث الهدف منها.
استغلال الطفولة
خلال الأزمة السورية، وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان رب العائلة بسبب الحرب، أو غيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى، سُجّل ارتفاع لعدد الزيجات المعقودة لقاصرات من 7 إلى 30 في المائة في عام 2015، وتزيد النسبة كثيراً في مناطق الأرياف البعيدة عن العاصمة، إذ أن 60 في المائة من الزيجات غير المسجّلة في المحاكم الشرعية عُقدت على قاصرات، وترتفع نسب زواج القاصرات بين اللاجئين في الدول المجاورة ففي الأردن، هناك 35 في المائة من مجموع زيجات اللاجئات السوريات زواج مبكر، بينما 32 في المائة من حالات الزواج بين اللاجئين في لبنان لفتيات تحت سن الثامنَ عشرةَ، ونسبة 25 في المائة لزواج القاصرات السوريات في مصر، وأغلب هذه الزيجات تتم لفترة قصيرة الأجل، أي: تكون هذه الزيجات مجرد غطاء شرعي لعمليات الاستغلال الجنسي بحق السوريات.
القانون لا يساعد على بناء أسرة سليمة
هذه الظواهر السلبية، التي انتشرت في البلاد بشكل مخيف خلال الأزمة، ومنها زواج القاصرات، لا يكفي لمعالجتها تعديل بعض قوانين العقوبات، فمعالجة النتائج ليست كافية بل لا بد من البحث عن الأسباب التي أدت إلى انتشارها، وهي الحرب والبطالة والفقر الشديد والتخلف والجهل وعوامل الاستغلال، وغيرها الكثير.
على ذلك لا بد من إجراء تعديلات جذرية على قانون الأحوال الشخصية الساري في بلادنا، فعقد زواج القاصرات داخل المحاكم لا يعطي أية شرعية لهذه الظاهرة، بل تبقى جريمة بحق الطفولة وبحق المجتمع ولا بد من مكافحتها، ويبدأ ذلك أولاً من خلال اعتماد قانون عصري يساهم في بناء أسرة سليمة ويحفظ حقوق المرأة.