أحكام المفقود
تثبت الشخصية القانونية للإنسان منذ ولادته حياً وتظل ملازمة له حتى وفاته، وفقاً لما نصت عليه المادة 31 من القانون المدني. والموت قد يكون طبيعياً أي: حقيقياً، وقد يكون حكمياً أي: يصدر حكم باعتبار المفقود ميتاً. ويشترك المفقود مع الغائب بالعجز عن التصرف بأموالهما بسبب الغيبة والفقد.
أولاً - تعريف الغائب والمفقود:
المفقود في اصطلاح الفقهاء، هو: الغائب الذي انقطعت أخباره، فلا يُدرى مكانه ولا تعلم حياته ولا وفاته.
أما الغائب فهو الشخص الذي يغيب عن موطنه أو محل إقامته، ولكنه يكون حياً وتكون حياته معلومة، سواء كان له محل إقامة معروف خارج موطنه أم لم يكن.
ثانياً - أحكام المفقود:
نصت المادة 34 من القانون المدني السوري على أنه: «يسري في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة، فإن لم توجد فأحكام الشريعة الإسلامية».
وتميل معظم التشريعات إلى تحديد سن معينة للمفقود، يسمح بعدها باعتباره ميتاً، ولو لم يقم الدليل على موته وهي بحسب قانون الأحوال الشخصية السوري سن الثمانين. فإذا غاب الشخص وانقطعت أخباره ولم تتحقق حياته من مماته فإنّ الشك يظل قائماً حول مصيره إلى أن يبلغ الثمانين من عمره، وعندها يعدّ في عداد الأموات. وتتقرر حياة المفقود في هذه الحالة بحكم قضائي استناداً إلى رجحان احتمالها وليس إلى ثبوتها ثبوتاً قاطعاً.
هذا إذا لم يكن فقده قد تم في حالة حرب، فإذا كان فقده بسبب الحرب أو حالات مماثلة لها مما يغلب معه الهلاك، فإنه يجوز الحكم بموته بعد أربع سنوات من تاريخ فقده.
وقد يعود المفقود الذي حكم بوفاته إلى الظهور ثانية، فتتأكد حياته من جديد، ويتعارض بذلك الحكم القاضي بوفاته مع الواقع. وهكذا ستتضمن أحكام المفقود تحديد وضعه القانوني في هذه الحالات الثلاث: حالة الشك حول حياته أو مماته، وحالة الحكم بوفاته، وحالة عودته بعد الحكم بوفاته.
حالة الشك حول حياة المفقود أو مماته:
تبدأ هذه الحالة منذ غياب المفقود وانقطاع أخباره إلى أن يظهر ثانية للوجود، أو يثبت موته، أو يحكم باعتباره في عداد الأموات. ولأن الشك حول حياة المفقود أو مماته قائم في هذه الفترة، فإنّ الأحكام التي تنظم وضعه القانوني تبنى على هذا الأساس:
أ_ لا يقع شيء من الآثار التي تترتب على انتهاء حياة الإنسان وزوال شخصيته بالنسبة للمفقود، كانحلال زواجه مثلاً، أو تصفية تركته لعدم ثبوت وفاته. وهكذا فإنّ زواج المفقود يظل قائماً، كما تبقى حقوقه وأمواله محفوظة طوال هذه الفترة.
ب_ تترتب للمفقود جميع الآثار القانونية التي يشترط لحدوثها وجود الشخص على قيد الحياة، كحقه في الإرث من غيره مثلاً أو الوصية، ولكنها تبقى معلقة على شرط التحقق من حياته.
حالة الحكم بوفاة المفقود:
أ_ حكم زوجة المفقود:
أجاز المشرع لزوجة الغائب أن تطلب التفريق من زوجها بعد مضي سنة على غيابه، فمن باب أولى أنه يسمح لزوجة المفقود أن تطلب التفريق بعد مضي المدة المذكورة (المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية).
ب_ حكم أموال المفقود والأموال التي تؤول إليه في أثناء فقده:
تستمر الأموال العائدة للمفقود في ملكيته طوال فترة غيابه حتى تاريخ الحكم بموته. وإذا حكم القاضي بموته توزع أمواله على ورثته الموجودين وقت الحكم باعتباره ميتاً، أما ورثته الذين ماتوا بعد فقده أي: أثناء غيابه وقبل صدور هذا الحكم فلا يرثونه؛ لأنّ الحكم باعتباره ميتاً حكم منشئ لهذا الموت وليس كاشفاً له.
حالة عودة المفقود إلى الظهور بعد الحكم بوفاته:
إذا ظهر المفقود حياً بعد صدور الحكم باعتباره ميتاً وتوزيع تركته فإنه يسترد ما كان له من أموال، وما استحق من إرث من أقاربه المتوفين من أيدي الورثة إن كان قائماً، أي: أنه لا يسترد إلا ما بقي من هذه الأموال بين أيدي الورثة، أما ما تصرف به هؤلاء أو استهلكوه فلا يسترد منه شيئاً لأنهم لم يستولوا عليه اغتصاباً من تلقاء أنفسهم، وإنما تملكوا التصرف في هذه الأموال بناء على حكم قضائي، وبالتالي فلا ضمان عليهم.