التعاون السكني إلى الاستثمار
سمير علي سمير علي

التعاون السكني إلى الاستثمار

«تأمين مسكن لكل أسرة واجب وطني» هو العنوان والشعار اللافت المدرج ضمن «لوغو» الاتحاد العام للتعاون السكني في سورية، وعلى موقعه الإلكتروني وفي مطبوعاته.

 

لقد ورد في المادة /2/ من المرسوم التشريعي 99 لعام 2011:
«تعد جهات قطاع التعاون السكني فرعاً من القطاع التعاوني الذي يهدف إلى تحسين ورفع مستوى أعضائه اقتصادياً واجتماعياً من خلال تأمين الأراضي وتشييد المساكن وملحقاتها وتمليكها للأعضاء بسعر التكلفة وذلك وفقاً للمبادئ التعاونية وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في مجال الإسكان».
ومع موجة الاستثمار بإعادة الإعمار الطاغية حالياً، والتي برزت تبريراتها كضرورة بنتيجة الدمار الذي حل بالكثير من المناطق في المدن والبلدات خلال سنوات الحرب، وبالتوازي مع الامتيازات التي حصلت عليها شركات التطوير العقاري قانوناً، ومع الحديث عن المخططات التنظيمية الجديدة، ظهرت الحاجة لتعديل المرسوم 99 الخاص بالقطاع التعاوني السكني.
خروج عن الأهداف
يشير واقع الحال، منذ عقود، إلى أن هذا القطاع التعاوني الأهلي أصابه الكثير من الترهل، كما واجهته الكثير من المعيقات والصعوبات للقيام بمهامه، وقد طغت عليه، مصالح الكبار من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين والمتنفذين، بحيث خرج بالنتيجة عن مهامه وأهدافه الاجتماعية الاقتصادية، والتي من المفترض أنها ذات طابع شعبي كمظلة قانونية، وخاصة لمحدودي الدخل من أجل الحصول على المسكن المناسب سعراً ومواصفة.
وقد شاب هذا القطاع الكثير من شبهات الفساد، بحيث أصبحت ملازمة له طيلة العقود الماضية، ناهيك عن المراوحة بالمكان على مستوى الأداء والتنفيذ للجمعيات التعاونية السكنية، التي تضم مئات الآلاف من المنتسبين.
غياب الدولة
غياب دور الدولة على مستوى خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مجال الإسكان، كان السبب الأساسي لمآل هذا القطاع التعاوني، كما كان لهذا الغياب الكثير من التداعيات السلبية الأخرى، والتي تم حصادها على مستوى المزيد من انتشار العشوائيات ومناطق المخالفات، وارتفاع أسعار العقارات، وكثرة المضاربة بها طيلة العقود الماضية، والتي أثمرت المزيد من الأرباح في جيوب كبار تجار العقارات والسماسرة، وما زالت.
المشكلتان الرئيسيتان اللتان كانتا سبباً مباشراً لما أصاب هذا القطاع من الترهل وما واجهه من معيقات، وما حل به من طغيان لمصالح الكبار على حساب الشريحة الشعبية المستهدفة، هما: تأمين الأراضي للجمعيات السكنية من أجل تشييد الأبنية السكنية_ مصادر التمويل الكفيلة بتنفيذ المهام المطلوبة.
تعديلات مرتقبة
منذ أكثر من عام، و يدور الحديث عن تعديلات مرتقبة على المرسوم 99 لعام 2011 الخاص بالتعاون السكني.
وفي منتصف تشرين الأول 2017 ورد عبر إحدى الصحف الرسمية: أن لجنة التنمية البشرية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء وافقت على تعديل المرسوم المذكور.
أما عن مفردات التعديلات على مستوى المشكلتين الرئيسيتين (الأراضي_ التمويل)، فقد رشح بأنه: يتم تأمين الأراضي اللازمة للجمعيات بإحدى الطرق التالية:
_ داخل المخططات التنظيمية العامة المصدقة إما تخصيصاً من الجهات العامة بما فيها الوحدات الإدارية، أو شراء من القطاع الخاص في حال عدم كفاية الأراضي المخصصة من هذه الجهات.
_ بنسبة من المقاسم المخصصة للسكن الشعبي بموجب قانون تنفيذ التخطيط وعمران المدن رقم /23/ لعام 2015 وفي حدود حاجة الجهات التعاونية السكنية للمقاسم المعدة للبناء في المناطق التنظيمية، وخارج المخططات التنظيمية لتشييد الضواحي التعاونية السكنية.
_ يتم تأمين الأراضي اللازمة من عقارات الدولة الخاصة وغير المخصصة لتشييد الضواحي التعاونية السكنية لإحدى الجهات العامة وفقا للأنظمة المرعية لدى وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، أو شراء بالتراضي من القطاع الخاص.
وعلى مستوى التمويل: يمكن لصندوق الإقراض التعاوني تمويل عملية شراء الأراضي.
وحول الجمعية التعاونية السكنية المشتركة، فقد ورد: يتم تشييد الضاحية التعاونية السكنية من قبل الجمعية التعاونية السكنية المشتركة، وتصنف المقاسم الناتجة عن عمليات التقسيم إلى الفئات التالية:
الأولى: المقاسم والأراضي المخصصة للمشيدات العامة المعرفة بالقانون رقم /23/ لعام 2015 وتنقل ملكيتها إلى الجهات المعنية مجاناً.
الثانية: المقاسم الخدمية الخاصة بما فيها المحلات التجارية ومراكز التسوق والمنشآت التعليمية الخاصة وكافة الفعاليات الأخرى، وتحدد طريقة التصرف فيها بيعاً أو إيجاراً أو استثماراً بقرار من الوزير، وتسجل المقاسم المخصصة للإيجار أو الاستثمار باسم هيئة شاغلي الضاحية، وتوضع على صحائفها إشارة بمنع التصرف فيها بيعاً.
الثالثة: المقاسم السكنية وتنقل ملكيتها إلى الجمعية المشتركة. وتعتبر الطرق والساحات ومواقف السيارات والحدائق والمرافق العامة والبنى التحتية المنفذة من قبل الجمعية المشتركة من الأملاك العامة للوحدات الإدارية.
المزيد من التعديلات
آخر ما حرر بشأن التعديلات المرتقبة على المرسوم 99، فقد كان على لسان مدير التعاون السكني في وزارة الأشغال العامة والإسكان، حيث أكد عبر إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 12/4/2018، أنه: «تم الانتهاء من إنجاز مقترح تعديل المرسوم 99 الناظم لعمل التعاون السكني، حيث أخذت الوزارة بالملاحظات الواردة كلها، والمتعلقة بتأمين الأراضي للجمعيات خارج المخططات التنظيمية من أملاك الدولة، وفي مناطق التطوير العقاري، وإنشاء التجمعات العمرانية في المناطق المسموح البناء فيها، أو من خلال صندوق الخدمات المالية، والمشاركة في إحداث الضواحي السكنية، وهو ما يمنح الجمعيات المشتركة ميزة إعداد برنامج تخطيطي مع المخططات التنظيمية العامة والتفصيلية وأنظمة ضابطة البناء، وتنفيذ المرافق العامة والبنى التحتية، وبيع المقاسم الزائدة عبر تشجيع على إحداث الجمعيات المشتركة على ألا تقل عن 7 جمعيات أو أكثر لإشادة الضواحي السكنية بما فيها مبانٍ سكنية وأبنية خدمات ومحال تجارية وإعطاء الحق للجمعية السكنية في إنشاء مكاتب هندسية».
وأضاف: «وفقاً للتعديل الجديد سيسمح للجمعيات بشراء الأراضي مباشرة من القطاع الخاص داخل وخارج التنظيم، أو الأراضي التي تمتلكها الدولة في مناطق التنمية العمرانية، وهذا البند في القانون فتح الباب لقطاع التعاون السكني واسعاً للعمل والإنجاز، بعد أن كان يعتمد في تأمين الأراضي سابقاً من خلال الدولة».
المزيد من التربح باسم التعاون
مآلات التعديلات المرتقبة على ما يبدو لن تعيد قطاع التعاون السكني للشريحة الشعبية المستهدفة منه افتراضاً، كما لن تمنع عنه طغيان مصالح الكبار من أصحاب رؤوس الأموال والفاسدين، بل ربما على العكس من ذلك، فقد تفتح هذه التعديلات لهؤلاء المزيد من فرص الاستثمار والتكسب من هذا القطاع، لكن هذه المرة ليس من بوابة الاتجار والسمسرة بالمشاريع السكنية قيد الإشادة وعلى هامشها فقط، بل من خلال التجارة والمضاربة بالأراضي كذلك الأمر، خاصة في ظل تكريس تغييب دور الدولة على مستوى تأمين الأراضي اللازمة للجمعيات السكنية، وجعل هذا الأمر منوط بنشاط الجمعيات المشتركة توازياً مع ملاءتها المالية ومصادر التمويل، بالإضافة للمزيد من الريع والربح من خلال بيع «المقاسم الزائدة»، وكذلك من فرص الاستثمار في المحلات التجارية ومراكز التسوق والمنشآت التعليمية الخاصة وكافة الفعاليات الأخرى و...، ما يعني أن مصير الجمعيات التعاونية السكنية لن يكون بأفضل حال مما هو عليه الآن، بل ربما ستكون بالمحصلة عبارة عن جمعيات لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين تحت عباءة التعاون، ومستفيدة من الإعفاءات والامتيازات الممنوحة باسمه ايضاً.
ويبقى السؤال بعد ذلك كله: أين شعار «تأمين مسكن لكل أسرة واجب وطني» من كل ذلك؟