من يكفل حقوق النازحين؟
مع انفجار الأزمة السورية، وتحولها إلى نزاع مسلح، ذي طابع محلي وإقليمي ودولي، شمل أغلب الأراضي السورية، ومع عدم التوصل إلى حل سياسي حتى الآن، ومع كل ما نتج عن ذلك من دمار في البنية التحتية، وغيرها من التداعيات السلبية الكثيرة، فقد أدى أيضاً إلى نزوح وهجرة ملايين السوريين من ديارهم.
حيث تقدر أعداد اللاجئين بخمسة ملايين لاجئ خارج الحدود، وحوالي ستة ملايين نازح داخلياً، والمسجلين طيلة سنوات الحرب والأزمة، أن أطراف الصراع لم تعمل على مراعاة أحوال النازحين والمدنيين، بل استخدمت هذه القضية كأوراقٍ سياسيةٍ للضغط، دون مراعاةٍ لقواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ودون مراعاة للكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون عموماً.
الفرق بين اللاجئ والنازح
وإذا كان اللاجئ، الذي تجاوز حدود دولة إلى دولة أخرى، يخضع قانونياً لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، والتي تضمن له حقوقه كحقوق أي مواطن في البلد المضيف، كما يفرض التزام الدولة بحماية حقوق المهاجرين من إقليمها، وهو أمر ينسجم مع حقوق الدولة السيادية والتزامها برعاية وحماية حقوق مواطنيها، حتى خارج إقليمها عملاً (بمبدأ الصلاحية الشخصية للقوانين).
وإذا كان اللجوء، أو قرار مغادرة البلاد، يمكن يكون اختيارياً أو يسبقه عادة إعداد وتفكير من قبل المهاجرين، فذلك لا يحدث في حالات النزوح التي تحدث قسراً، ودون رغبة من قبل النازحين، فهو يحدث فجأة دون تخطيط أو تفكير، ودون أن يحمل هؤلاء النازحون ما يكفيهم من احتياجاتهم المادية، حيث يعرّف النزوح بأنه: (حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة، ويتم النزوح رغماً عن إرادة النازح بسبب مؤثر خارجي مهدد للحياة).
النظام القانوني للنازحين
يتمتع النازحون عادة بحماية قانونهم الوطني، إضافة إلى اتفاقية حقوق الإنسان، فهم ما زالوا رعايا داخل الدولة الموجودين فيها ويتمتعون بالحماية الكاملة للقانون الوطني، وبجميع حقوق المواطنة دون تفريق أو تمييز ناتج عن واقع نزوحهم.
ويقدم قانون حقوق الإنسان حماية جوهرية للنازحين داخل بلدهم، ويهدف القانون إلى منع النزوح وكفالة الحقوق الأساسية للنازحين حال حدوثه.
ويُعد الحظر المفروض على المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والحق في التمتع بالممتلكات في سلام، والتمتع بالسكن والحياة الأسرية ذا أهمية خاصة لمنع النزوح، كما الحق في السلامة الشخصية، والحق في وطن، وفي الغذاء والمأوى والتعليم والعمل، وحق العودة إلى ديارهم.
كما يسري القانون الدولي الإنساني على النازحين في أوقات الحرب، سواء أكان النزاع دولياً أم داخلياً، كما يحظر القانون الدولي إجبار المواطنين على ترك منازلهم ما لم يكن ذلك حرصاً على سلامتهم، أو لضرورات عسكرية ملحة، ففي هذه الحالات يجب إعادة السكان النازحين إلى ديارهم فور توقف الأعمال العدائية.
حقوق النازحين
تبنت الأمم المتحدة المبادئ التوجيهية الخاصة بالإطار القانوني للنازحين داخلياً، وهي مجموعة من 30 توصية تحدد من هم النازحون داخلياً، وتبيّن الإطار العام لمجموعة كبيرة من القوانين الدولية الراهنة التي تكفل الحماية للحقوق الأساسية للأشخاص النازحين، وتبيّن مسؤولية الدول.
ومع أن هذه القواعد ليست ملزمة، إلا أنها تعد الحد الأدنى من المعايير الشاملة لمعاملة النازحين، وهي:
1_ الحق في التماس السلامة في جزء آخر من البلاد.
2_ الحق في مغادرة البلاد.
3_ الحق في طلب التماس اللجوء إلى بلد آخر.
4_ الحق في التمتع بالحماية ضد الإعادة، أو إعادة التوطين الإجبارية في أي مكان تتعرض فيه حياتهم أو سلامتهم أو حريتهم أو صحتهم للخطر.
تراجع دور الدولة
من واجب الدولة حماية النازحين وتأمين حياة كريمة لهم ولعوائلهم، وأن تعمل في الوقت نفسه على تأمين عودة النازحين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، والحفاظ على ممتلكاتهم.
فتراجع دور الدولة، وانكفاؤها عن القيام بواجباتها كدولة، يعد مخالفاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، كما أن المماطلة بتأمين عودة النازحين إلى ديارهم تعد خرقاً واضحاً لحقوق النازحين المصونة في القانون الدولي الإنساني، وبشكل يتنافى مع حقوق الإنسان، كما يجب ألا يغيب عن ذهننا بأن كل ذلك يتعارض مع حقوق المواطنة قانوناً ودستوراً كذلك الأمر.
فهناك العديد من المناطق التي تمت استعادة سيطرة الدولة عليها، كما شملت غيرها مصالحات واتفاقات وتسويات، ولكن لم يتم إعادة السكان إلى ديارهم، أو يتم إجبار السكان على العودة دون تأمين أبسط مقومات الحياة لهم، كما حصل مع أهالي محافظة دير الزور، وكما يحصل مع النازحين من مدينة عفرين، الذين يفترشون الطرقات والخيام، دون أي تحرك جدي من قبل الدولة لرعايتهم والحفاظ على كرامتهم.
فعودة النازحين إلى ديارهم وتأمين حياة كريمة لهم، ينهي معاناة الملايين من السوريين، ويساعد على عودة الأمن والاستقرار إلى المدن والأرياف، وذلك يساعد من كل بد في دفع عجلة الحل السياسي للأزمة السورية إلى الأمام.