الاستثمار في مأساة ريف حلب الشمالي
ما يزال تفاقم رقعة العنف في المعادلة السورية، باب نهب للأطراف المستفيدة من جملة المعاناة الإنسانية والكارثية، التي تجلت في الآونة الأخيرة من خلال استغلال حالة الاحتلال التركي للريف الشمالي الحلبي، فهناك تنسيق على مستوى عالٍ بين الأطراف الناهبة والمستفيدة من الأزمة الإنسانية.
لم تكتف هذه الأطراف بوضع العراقيل بوجه النازحين أثناء محاولات خروجهم من عفرين وقراها، فكحلتها بعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية باستثمار المعاناة الإنسانية للمهجرين، تحت بند الشعارات الإنسانية، وتم تقسيم الكعكة من باب المصالح، وليس من باب إنهاء الكارثة الإنسانية.
نُبّل والزهراء
تفاقمت معاناة نازحي عفرين في منطقتي نُبّل والزهراء مع تراجع تدفق المساعدات إليها، وشح المواد الغذائية في هاتين المنطقتين، ويخشى النازحون من تزايد أوضاعهم سوءاً مع مرور الوقت، في ظل غياب الدور الفعال المرجو من قبل الهلال الأحمر والمنظمات الدولية، وإن وجد، فدور الرقابة من قبل الدولة غير مفعل دون معرفة السبب!.
يذكر أن ما يزيد عن ٢٥ ألف نازح وصلوا إلى نُبّل والزهراء، بظروف إنسانية كارثية، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، الذين توزعت غالبيتهم في الجوامع والمعامل، مع التردي الواضح في الخدمات الأساسية، في ظل بيئة حاضنة للأمراض السارية ومساعدة على انتشارها، والتي من الممكن أن تهدد صحة الأطفال وكبار السن.
ومن سنحت لهم فرصة الاستئجار كانوا تحت رحمة تجار الأزمات بأسعار تفوق الخيال، إذ وصل أجار الغرفة الواحدة إلى ١٥٠ ألف، بالإضافة إلى زيادة سعر المواد الغذائية للمهجرين، دون حسيب ورقيب، ودون أن ننسى طبعاً الكثيرين ممن شاركوا المهجرين معاناتهم من دون مقابل، وفتحوا أبواب منازلهم للنازحين.
فافين
بسبب ضغط المهجرين على منطقتي نُبّل والزهراء، تم نقل بعضهم إلى فافين، ونصب الخيام في العراء في ظل ظروف إنسانية مزرية، والترويج بأن طريق حلب سيفتح أمام كل النازحين عما قريب، وهي وعود لا مؤشرات لها على أرض الواقع.
والهلال الأحمر الكردي يمنع دخول منظمات المجتمع المدني والهلال الأحمر السوري، تاركاً المهجرين في العراء دون تأمين أدنى مقومات البقاء، وأيضاّ مانعاً النازحين من العودة لقراهم لاستثمار أزمتهم الإنسانية.
تل رفعت
لم يكن الوضع أفضل في تل رفعت، التي تشهد أزمة إنسانية كمثيلتها من مناطق النزوح، التي شهدت نزوح ٥ ألاف شخص، لكن المفارقة في تل رفعت أن قوافل الهلال تتوافد إليها باستمرار، وما يزال النازحون في العراء ولا يملكون أدنى مقومات البقاء.
ومن الجدير بالذكر، أن هذه القوافل هي عرضة للنهب «داقت عينن عليها»، فللأسف كل حاجز تمر منه هذه القوافل التابعة للهلال الأحمر تقدم له سلات غذائية وصحية، وكل ما توفر في القافلة «هاد المعلوم لسير القافلة»..
فالحواجز لم تكتف من استثمار النازحين ونهبهم بمبالغ طائلة للسماح لهم بدخول حلب، إذ وصلت تكلفة وصول الشخص الواحد إلى ٧٠٠ ألف، فهم الأن يستمرون في النهب للقوافل «منشار عالحدين»، إضافة إلى إيقاف المتطوعين التي تعود نفوسهم لعفرين، علماً أنهم ذاهبون لمساعدة أهاليهم المهجرين دون أي مقابل.
المسلمية
أسوء المناطق هي منطقة المسلمية، التي لتاريخ اللحظة ما من مساعد لإعانة المهجرين الذين يفترشون الطرقات بالعراء فيها، دون أي تحرك لمنظمات المجتمع المدني والهلال الأحمر والحكومة.
المعاناة مستمرة والنهب مستمر، ولا حياة لمن تنادي، في ظل غياب واضح لدور الحكومة المتفرجة على الكارثة الإنسانية دون اتخاذ أي موقف لإيقاف معاناة المهجرين.
أخيراً، ما من شك بأن الوطنية تقتضي دعوة الأهالي للإسراع بالعودة إلى أرضهم ما استطاعوا إليها سبيلاً، مع تذليل الصعوبات والمعيقات كافة التي تحول دون ذلك.