الرقة  خدمات وهمية ومعاناةُ خوفٍ وفساد!

الرقة خدمات وهمية ومعاناةُ خوفٍ وفساد!

بعد أن قام طيران التحالف الأمريكي بتدمير مدينة الرقة بالكامل كبنى تحتية ودوائر دولة ومنازل المواطنين، قامت ما يسمى قوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكياً، بإنهاء وجود ما يسمى تنظيم (داعش) في محافظة الرقة كاملة شمال نهر الفرات سواء عبر القتال، أو عبر تسويات مع بعض زعماء العشائر.

 

وقد شكلت (قسد) في محافظة الرقة ما يسمى مجلساً محلياً تابعاً لها من بعض شيوخ العشائر والأشخاص المتعاونين معها. ووعدت بإعادة الحياة وتقديم الخدمات الأساسية، كالكهرباء ومياه الشرب ومياه الري الزراعي، ووسائل النقل والتعليم والأمن وغيرها.
لكن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، ومازالت معاناة المواطنين كما هي، بل ازدادت!
كهرباء سد الفرات والظلام
سمحت(قسد) بعودة الكادر الفني المسؤول عن إدارة السد والمحطة الكهرومائية في سد الفرات، وشبكة الكهرباء، وبدأ العمل في إصلاح غرفة التحكم بالتغذية والتشغيل المحروقة، واستغرق ذلك حوالي 3 أشهر، بالتوازي مع ورشات إصلاح الشبكات في ريف المحافظة، باستثناء المدينة المدمرة، وكانت المواد اللازمة لذلك متوفرة وموجودة في مستودعات مؤسسة كهرباء الرقة ومستودعات مؤسسة حوض الفرات، وتم ذلك تحت إشراف قوات سورية الديمقراطية، بينما رواتب العمال والمهندسين وأجورهم من الدولة.
وقد تم إنجاز إصلاح غرفة التحكم في السد والشبكة الكهربائي، وقامت (قسد) بجمع مبلغ 2500 ليرة سورية من كل بيت فيه عداد كهرباء، في ريف المحافظة الشرقي والغربي ومدينة الطبقة، باستثناء قرى منطقة تل أبيض، وتم إيصال الكهرباء إلى مدينة الطبقة وتل أبيض وعين عيسى، أما بقية الريف والمزارع فللآن لم تصلهم الكهرباء بسبب الخلاف بين مسؤولي (قسد) في مدينة الطبقة، وناحية عين عيسى حول المبالغ الكبيرة التي تم جمعها، وحول المرجعية والحصص بينهما، علماً أنه هناك 15 مزرعة، وكل مزرعة فيها 750 منزلاً نموذجياً، أي 11250 منزلاً، وبما قيمته 28 مليوناً و 125 ألف ليرة، عدا القرى في الريف، وهذا الوضع سمح لتجار الأمبيرات باستغلال المواطنين الذين اضطروا لشراء الأمبير الواحد بـ 2000 ليرة في الأسبوع، أي 8 آلاف ليرة في الشهر، بينما في دير الزور 6 آلاف وفي حلب 3 آلاف!
مياه غير صالحة للشرب
قامت (قسد) بتركيب مضخات مياه على حساب الأهالي، وذلك على الأقنية الزراعية التي تتزود بالمياه من بحيرة السد بالراحة، وسمحت للأهالي باستجرار المياه لقاء رسوم ري /3/ آلاف ليرة تدفع سلفاً حتى ولو لم يزرع الفلاح، وهي غير صحية وغير صالحة للإنسان، وإنما للحيوانات والزراعة فقط، ويضطر الأهالي لاستخدام هذه المياه الملوثة وغير المعالجة وغير المعقمة، في الشرب لعدم وجود بديل، وهذا ما عرضهم لأمراضٍ عديدة ومنها التسمم والإسهالات والأمراض الجلدية، ومما يضاعف خطرها عدم وجود مشافٍ ومستوصفات وأدوية، سوى بعض الصيدليات الخاصة!
ضرائب النقل!
كما عمدت (قسد) على جباية رسوم عالية من المواطنين لقاء الكهرباء والماء دون أن تدفع شيئاً، أو تقدم خدمات، فقد فرضت ضريبة على كل باص ينقل الركاب من الطبقة إلى المحافظات الأخرى نسبتها 35% من الأجور، تحدد حسب قائمة المسافرين في كل باص، تجبى من السائق، فأجرة الراكب من مدينة الطبقة إلى مدينة حماة، حيث يتواجد مسؤولي محافظة الرقة فيها، هي 7 آلاف ليرة، وأجرة الراكب من الطبقة إلى دمشق 10آلاف ليرة، والسائق يقوم بتحميلها للركاب.
محاولة استقطاب!
تقوم (قسد) باستقطاب الشباب العاطلين عن العمل، والنساء والفتيات اللواتي تجبرهن الظروف المعيشية للعمل، وذلك بتشغيلهم في كل شيء ومنها الخدمات، وأحياناً يتم أخذهم إلى عين عيسى وتل أبيض للعمل فيهما، مما يستغرق يوماً كاملاً بين الذهاب والعمل والعودة، لقاء أجورٍ تصرف بالدولار، وتعادل ما بين 70 و100 ألف ليرة شهرياً.
وعلى الرغم من توفر المواد الغذائية بأسعار معقولة، وبعضها رخيص كاللحوم، كَوْن الريف كله يعتمد على زراعة المواد اللازمة للغذاء وتربية الحيوانات، إلاّ أن هذه الأجور غير كافية لتغطية نفقات المعيشة، لكن الظروف تدفع الشباب والنساء والفتيات للقبول بأي عمل، وفي أي مكان، ولو دون ضمانٍ وأمانٍ!
انفلات أمني!
انفلات أمني مرعب يهدد حياة أهالي ريف الرقة، نتيجة عدم وجود سلطات الدولة، أو نظام وشرطة، فقد كثرت حالات الاغتيالات والتصفيات، مجهولة المنفذين دائماً، كذلك ارتفعت حالات خطف البنات، والسرقات، وبات الأهالي لا يأمنون على أبنائهم وبناتهم ويمنعون خروجهم، وأصحاب المحلات التجارية يضطرون للبقاء فيها ليلاً وعدم النوم لحمايتها.
وبرغم تشكيل محكمة قضائية في مدينة الطبقة، وفتح مخافر في بعض القرى من أبنائها، تحت إشراف ومسؤولية (قسد)، إلاّ أن أغلب عناصر هذه المخافر كانوا من المسلحين والعناصر المنفلتة الذين احتوتهم (قسد)، ويضاف إلى ذلك استمرار نشاط بعض الخلايا النائمة لـ»داعش»، وقيامها بالاغتيالات والتصفيات والتفجيرات، وغالباً ما يذهب ضحايا من المدنيين الأبرياء، كما حدث في مدينة الطبقة، في يوم الخميس 15/3، حيث استهدف أحد قادة (قسد)، وتم تفجير البناء، وكان هو يسكن في الطابق الثاني ولم يكن موجوداً، وذهب ضحية التفجير ثلاثة مدنيين.
على أثر ذلك قد خرجت مظاهرة، يوم الجمعة 16/3، من أهالي الطبقة تطالب بضبط الأمن.
مدينة مدمرة ومقابر جماعية!
أمّا في المدينة المدمرة فيسمح لأهالي الرقة أو ممن كانوا مهجرين فيها من محافظة دير الزور وريفها، بالدخول إليها، لرؤية منازلهم وأماكن إقامتهم، وانتشال جثث ذويهم من تحت الأنقاض، ويضطرون، لاستئجار ودفع أموال لمن يقوم باستخدام أجهزة الكشف عن الألغام على نفقتهم، وكل يوم تنتشل العديد من الجثث لعوائل كاملة انقطعت أخبارهم منذ بدأ العدوان الأمريكي عليها وتدميرها، ويجري دفنهم في مقابر جماعية!
إهمال واستغلال تحت سيطرة الدولة!
أهالي الرقة الذين يضطرون للسفر إلى المحافظات التي تقع تحت سيطرة الدولة، لمراجعة دوائرهم في حماة، أو جامعاتهم، أو السفر للعلاج أو لقضاء حاجاتهم في العاصمة دمشق، لا يكفيهم حرمانهم من الخدمات، ومعاناتهم من المعيشة وأجور السفر، وإنما تلاحقهم أيضاً قوى الفساد والاستغلال، وخاصة عند اضطرارهم لمراجعة السجل المدني للحصول على هويات وغيرها من الوثائق، فهم عرضة للاستغلال العلني من قبل السماسرة والفاسدين، ناهيك عن تكاليف الإقامة والعيش لأيام وقد تمتد لأكثر من شهر، أو اضطرارهم للنوم في الحدائق العامة، وملاحقتهم وابتزازهم من قبل بعض الأجهزة لكونهم من المنطقة الشرقية ومنها: الرقة!
كما يعاني طلاب الجامعات من أبناء الرقة من صعوبة الحصول على كشف علامات أو حياةٍ جامعية سواء من جامعة دمشق أو جامعة الفرات، بسبب الروتين الذي يفرض حضور صاحب العلاقة، أو التأخير المتعمد في إنجاز المعاملات، مما يفتح الباب لقوى الفساد باستغلالهم، ويضطرون كما الأهالي لدفع مبالغ كبيرة كسمسرة ورشوةً، تصل أحياناً إلى عشرات الآلاف.
أمام هذه المعاناة المستمرة لأهالي الرقة ومن لجأ إليها، من القتل والتكفير، إلى الدمار والرعب والنهب، إلى الخوف والاستغلال والفساد، بسبب فصائل المسلحين و«داعش» سابقاً، مروراً بالأمريكان و(قسد)، وصولاً إلى قوى الاستغلال والفساد من قبل البعض في أجهزة الدولة..، تبقى الرقة محافظة منكوبة وبحاجة لتضافر جهود جميع الشرفاء، من أجل إيجاد الحلول الإسعافية السريعة لها ولأبنائها واللاجئين إليها.
فهل من يستمع، أم سيبقى الإهمال والتطنيش والجشع هو المهيمن؟