قرارات تقييد الأسعار لم تُؤتِ أُكلها..

قرارات تقييد الأسعار لم تُؤتِ أُكلها..

لا يكاد يمر يوم إلا ونرى فيه خبراً أو تصريحاً لمسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يبشر فيه السوريين بدخول سلع ومواد جديدة يتم تقييد أسعارها

أو معلومات تتحدث عن انخفاض الأسعار بموجب هذه القرارات الحكومية بنسب تصل إلى 30%، لتسوّق تلك الأخبار على أنها «انجازات» تحسب لوزارة التجارة الداخلية خصوصاً وللحكومة عموماً، ونحن لسنا ضد انخفاض الأسعار بكل تأكيد، ولا نحمّل الوزارة مسؤولية عدم نجاحها في تخفيض الأسعار، ونعرف أن فعاليتها مرتبطة بالأداء الحكومي بمجمله، بل نبدي التساؤل حول مبررات تسليط الضوء على انخفاض الأسعار، وتضخيم نسبته، وأخذه معياراً لأداء حكومي ناجح، ألا يدعو ذلك للاستغراب؟! ألا يمكن أن يوضع ذلك في خانة التلميع المقصود من قبل البعض؟!
إن انخفاض الأسعار بهذه النسب الهزيلة، والتي نعترف بحصولها دون أدنى شك، أتى في سياق عام من تراجع الدولار إلى 150 ل.س، بعد أن كان قد وصل إلى 300 ل.س، حيث وصل الدولار إلى 95 ل.س في أوائل شهر كانون الثاني من عام 2013 بعد عدة ارتفاعات متواصلة، ليرتفع بشكل تدريجي، إلى 120 ل.س في آذار 2013، وإلى 145 ليرة في شهر  نيسان، وقفز سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 205 ليرات في شهر حزيران، ليصل إلى سعر قياسي في شهر تموز 2013، بتجاوزه حاجز 300 ليرة للدولار الواحد، فهل هذه مسؤولية الحكومة في حينها؟! وهل هي مسؤولية شخص بعينه، أم أنها مسؤولية المصرف المركزي بالدرجة الأولى وهو المعني عبر اجراءاته بالحفاظ على استقرار اسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية!! كما أنها مسؤولية الجهات المعنية بملاحقة المتلاعبين بالدولار في السوق السوداء!!..

«الانجاز اليتيم»
كان ارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق السوداء المبرر الأكبر لجميع الفعاليات الاقتصادية في رفع  أسعارها، وحجتهم الدائمة كانت ارتفاع الدولار، ولهذا فإن انخفاض الأسعار بهذه النسبة الهزيلة قياساً بحجم الارتفاع الإجمالي في أسعار المواد والسلع في السوق الداخلية، والمقدرة بنحو 300% بحسب عدة تقارير رسمية، لم يكن بفضل قرارات التقييد التي يُحيل إليها هؤلاء انخفاض الأسعار، بل إن انخفاض الدولار بحد ذاته، وفق القاعدة القائمة على ربط دولار السوق السوداء بالأسعار في السوق الداخلية، كان الكفيل بتخفيض الأسعار، ليس بهذه النسبة فقط، بل بأضعافها، فإجراءات وزارة التجارة الداخلية التي تتلطى خلفها الحكومة للحديث عن انتصاراتها اليتيمة (تخفيض الأسعار بنسبة تصل إلى 30%)، ما هي إلا مسار طبيعي لانخفاض الأسعار بفعل تراجع سعر الدولار ليس إلا..

تجاهل حقائق دامغة
من هاجم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السابق، واعتبر أنها المسؤولة عن ارتفاع الأسعار، تجاهل عن قصد الارتفاع الجنوني للدولار، ودوره المركزي في رفع الأسعار حينها، وتجاهل جملة من القرارات الحكومة، والتي تتحمل الحكومة مجتمعة مسؤوليتها دون استثناء، والتي اتخذت في سياق رفع اسعار المشتقات النفطية (مازوت، غاز، بنزين، فيول) والأدوية، والتي جرى تمريرها في الفترة ذاتها، ودورها المحوري في تفاقم التردي الموجود أساساً في مستويات المعيشة، وأثرها على ارتفاع الأسعار في السوق، لأنها جزء من عملية الارتفاع في المحصلة النهائية، والتجاهل الأعمى لكون الحكومة هي المعنية عبر تكامل عمل وزارتها، بتحقيق الاستقرار في الأسعار، وليس وزارة بحد ذاتها، فماذا ستفعل وزارة التجارة الداخلية إذا ما أقرت وزارة الاقتصاد تصدير الخضار أو الفواكه على سبيل المثال في ظل انخفاض الإنتاج من هذه المواد؟! ألن ترتفع الأسعار في هذه الحالة؟! فماذا ستنفع إجراءات وزارة التجارة مهما كانت أمام نقص المعروض من هذه المواد جراء تصديرها إلى الخارج؟! ألم يكن ارتفاع أسعار لحوم العواس وسواه نتيجة طبيعية لقرار السماح بتصدير تلك المواد؟! فالفاعلية كانت مفقودة لانعدام الانسجام الحكومي في السابق على ما يبدو، هذا إذا ما افترضنا حسن النية..

تساؤلات...
أسئلة عديدة تطرح في سياق الوقوف على ظاهرة ارتفاع سعر الصرف، وتأثيرها على ارتفاع الاسعار، وأهمها السؤال عن سبب تأخر الإجراءات الإدارية والأمنية التي اتخذت بحق بعض شركات الصرافة التي تلاعبت وتاجرت بالدولار والتي ساهمت في استقرار الوضع نسبياً، ولماذ تم التغاضي عن نشاط تلك الشركات في البداية وعلى مدى ما يقارب عام كامل، والتي كان نشاطها علنياً وواضحاً.