ضرورة إعادة هيكلة السياسات
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

ضرورة إعادة هيكلة السياسات

درجت عبارة إعادة الهيكلة على مستوى مفاصل العمل الحكومي وغير الحكومي، وخاصة خلال السنين الماضية، على إثر الصعوبات التي واجهتها وتواجهها الكثير من القطاعات في عملها، وعلى أرضية ضرورات التطوير في العمل المؤسساتي والخدمي والإنتاجي وغيرها.

إلّا أن تلك الآلية، وعلى الرغم من ضروراتها وأهميتها نظرياً وعملياً، انطلقت من القاعدة والأرضية نفسها التي أفرزت تلك الصعوبات، والمتمثلة بالسياسات العامة المعتمدة والمتبعة منذ عقود، والتي بجوهرها تقوم على تبني النموذج الليبرالي المحابي لمصالح أصحاب الأرباح على حساب مصالح أصحاب الأجور.
وزارات- شركات- مؤسسات- نقابات- اتحادات- جمعيات، وغيرها من التسميات المختلفة الأخرى، طالتها تلك العبارة، وتم بموجبها إجراء بعض التعديلات على المستوى التشريعي والقانوني الناظم لعملها، مع بعض التعديلات على مستويات العمل الإداري والتبعية، وغير ذلك من التعديلات الطفيفة الأخرى، إلّا أن واقع الحال يقول: إن إعادة الهيكلة لم تؤت ثمارها المطلوبة منها نظرياً، أو حسب ما تمت التعبئة الإعلامية المرافقة والمبررة والمسوقة لها، بل لعل بعضها أفرز صعوبات إضافية لم تكن موجودة سابقاً، مثل ما درج على تسميته بـ»فائض العمالة» في بعض القطاعات، أو التشابكات المالية المعقدة «العصية على الحل« في قطاعات أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، وغيرها الكثير من المفرزات السلبية الأخرى.
ولعل الأهم بالنتيجة هو: التراجع المستمر لدور الدولة على المستويات كافة، وخاصة تلك المرتبطة مباشرة بمصالح الشريحة المُفقرة والمستَغَلة من المواطنين.
بالمقابل تزايدت وتعمّقت مصالح شريحة الأغنياء على حساب مصالح الفقراء والمهمشين، مع المزيد من القوة القانونية والتشريعية بيد الشريحة الأولى عملياً، وفسح المجال أمامها بشكل أكبر لتعميق دورها ووزنها الاقتصادي، وصولاً لمشاركتها باتخاذ القرار، خاصة في ظل دورها الضاغط على مستوى إصدار الكثير من التشريعات والقوانين الخاصة بها ولمصلحتها، وهذا يعتبر أحد مؤشرات زيادة وزنها السياسي بالواقع العملي أيضاً، وهو أمر ليس بجديد، بل متراكماً ومتزايداً.
لنصل لنتيجة مفادها: إن إعادة الهيكلة ربما تفرضها الضرورات الموضوعية، ولكل قطاع خصوصيته بهذا المجال، لكن ما جرى في الواقع العملي هو: تجيير استخدام هذه العبارة وأهميتها وضرورتها من أجل تمرير المزيد من مصالح الأغنياء على حساب المزيد من سحق الفقراء، فالخصخصة الجارية على قدم وساق تم تمريرها عملياً تحت عناوين التطوير والهيكلة، وتخفيض الدعم والتمويل جرى بعضه تحت عناوين التطوير والهيكلة أيضاً، وصولاً إلى مفهوم التشاركية بصياغاته العملية والتنفيذية الجارية، والتي تعني جميعها مجتمعة المزيد من التراجع لدور الدولة، ليس على مستوى الدعم والتمويل والاستثمارات والحقوق والملكيات ومصالح المواطنين فقط، بل وعلى مستوى القرارات السيادية كذلك الأمر.
بالمختصر المفيد: لعله بات من أولى الأولويات إعادة هيكلة السياسات العامة المتبعة، وهي ضرورة ربما باتت تفرضها الكثير من العوامل الموضوعية، بما يعيد ما تم استلابه من حقوق تم هدرها للمواطنين أولاً، والفقراء وأصحاب الدخل المحدود والمهمشين بشكل خاص، وبما يعيد للدولة دورها وواجبها تجاه هذه الشريحة ومصالحها ثانياً، وبما يحقق سيادة الدولة وهيبتها على مستوى قرارها الاقتصادي وتبعاته، بعيداً عن مصالح ورغبات الشريحة التي اغتنت على حساب المواطن والوطن، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة، ثالثاً ورابعاً وخامساً و.... وليس أخيراً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
830
آخر تعديل على الإثنين, 02 تشرين1/أكتوير 2017 15:50