التعليم المجاني بمهب الريح
أخيراً لم يعد سراً موضوع تعميم التعليم المأجور رسمياً، باتجاه استكمال الخصخصة فيه، فقد أقر مجلس الوزراء مشروع المرسوم التشريعي القاضي بإحداث التعليم الخاص المسائي في الجامعات الحكومية.
وبحسب الحكومة فإن المشروع يهدف إلى تأمين فرص قبول إضافية للطلاب في بعض التخصصات التي يكون عليها قبول أكثر، إضافة إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.
إقرار بوجود فرص إضافية للقبول
من موقع الحكومة: «رغبة في استثمار البنية التحتية المتوافرة في بعض الكليات الجامعية، من مدرجات وقاعات ومخابر في فترة ما بعد الظهر، وللاستفادة من خبرة الكوادر العلمية والإدارية فيها، وتأمين فرص قبول إضافية للطلاب في بعض التخصصات المرغوبة بشكل أكبر، ناقش المجلس مشروع مرسوم بإحداث التعليم المسائي في الجامعات الحكومية، ووافق على رفعه إلى الجهات المعنية، لاستكمال أسباب صدوره».
الحديث الحكومي يتضمن إقراراً بوجود إمكانية تأمين فرص قبول إضافية للطلاب، وخاصة للتخصصات المرغوبة بشكل أكبر، بالإضافة للاعتراف بعدم الاستثمار الأمثل للبنية التحتية المتوفرة في بعض الكليات.
هدر متعمد!
يعيدنا هذا لموضوعة سياسة الاستيعاب الجامعي، ومعدلات القبول السنوية، خاصة وبالتوازي مع الإعلان عن صدور المفاضلة العامة للعام الدراسي 2017- 2018، مع سؤال كبير نوجهه للحكومة:
طالما أن الإمكانية متوفرة لقبول أعداد إضافية من الطلاب، وطالما هناك بنية تحتية، من قاعات ومدرجات ومخابر يمكن استثمارها، فلماذا التذرع بسياسة الاستيعاب، التي ترافقت مع رفع بمعدلات القبول الجامعي طيلة السنوات الماضية، على حساب الجهود المبذولة من الطلاب، بالإضافة لما تحمله ذويهم من ضغوطات، كان بعضها أقتصادياً معيشياً على حساب بقية أفراد الأسرة، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة الأخيرة؟.
ما سبق ذكره يؤكد وجود إمكانات لم يتم استثمارها، بل تم هدرها عمداً طيلة السنوات الماضية، في ظل معدلات القبول المعمول بها، تحت عنوان سياسات الاستيعاب، والتي لطالما كانت سبباً في تحطيم آمال وطموحات الكثير من شبابنا الحاصلين على الشهادة الثانوية، بفروعها المختلفة، كما كانت بوابة العبور المشرعن للترويج للجامعات الخاصة، كمشاريع ربحية استثمارية، على حساب الطلاب ومستقبلهم، والتي لم يحصد نتيجتها إلا أبناء مفقري الحال والمعدمين.
فجاجة وصلف رسمي
مما لا شك فيه أن سياسة التعليم المأجور والخصخصة الجارية على قدم وساق في القطاع التعليمي، كان من مقدمتها إضعاف وتراجع دور التعليم المجاني رويداً وتباعاً، وفي مراحله الدراسية كافة، ليتم تتويج هذا النمط من السياسات عبر إدخال التعليم المأجور على الجامعات السورية كافة الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات وتعديلاته.
أما على مستوى الذرائع الإضافية المتعلقة بأن التعليم المأجور سيحسن الواقع المادي لأساتذة وموظفي الجامعة، فقد أُسقط عملياً، حيث أتاح مشروع المرسوم للجامعات جواز التعاقد مع أعضاء هيئة تدريس وهيئة فنية وعاملين في البرامج المحدثة، ما يعني أنه فسح المجال للانتقائية في اختيار الكادرات، ومن سيُفرغ منهم، كلاً أو جزءاً، ومن لن تطاله التحسينات الموعودة على الدخل، والتي سيتم اعتمادها وفق الأسس المعتمدة في المؤسسات التعليمية الخاصة، مع ما يعنيه هذا وذاك من إمكانية لتغلغل المحسوبية والفساد، ناهيك عما يتركه من آثار ونتائج ستنعكس سلباً على العملية التعليمية من كل بد، وخاصة التعليم المجاني، الذي سيفقد كادراته تباعاً.
والنتيجة العملية من ذلك كله هي: تراجع مستويات التعليم، والذي سيكون ضحيتها المباشرة أبناء الطبقات المسحوقة، وهم الغالبية الساحقة من المواطنين المعدمين والمفقرين، ولتظهر حقيقة استهدافهم العملية من خلال مثل هذه السياسات الرسمية المتبعة بكل فجاجة وصلف.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 826