البقر الشامي ومخاطر الانقراض!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

البقر الشامي ومخاطر الانقراض!

فيما يلي عبارة «ستيتس» استعرتها من صفحة تواصل اجتماعي لأحد الغيورين على الثروة الحيوانية في البلد، رأيت, بل أحببت، أن أنقلها كما هي لما فيها من صدق وغيرية:

«بالزمان كان في بقرة شامية بتحلب 15 كيلو حليب، بعدين جابولنا بقر هولندي بيحلب 25 كيلو حليب.. من خجلها البقرة الشامية انزوت وتلاشت.. والبقرة الهولندية طلعت ما بتحكي عربي، ولا حتى مستعدة تتعلمو! وطلعت لحتى تحلب 25 كيلو حليب بدها قدهن علف بسيط وعلف مركب!.. كانت بقرتنا فقيرة متل فلاحنا, تلعق عمود الكهربا، وتاكل قشور البطاطا وقشر الفول، وتقرط خشب، ولولا شوي بتركب يخضور وبتعطينا 15 كيلو حليب».
بقدر ما في العبارة أعلاه من المأساوية، بقدر ما فيها من عمق المصداقية النابعة عن التجربة والواقع، فأين أصبحت قطعان أبقارنا وأغنامنا وماعزنا؟.
الثروة البقرية
يوجد في سورية حالياً أنواع الأبقار التالية:‏ الأبقار الشامية– الأبقار المحلية (العكشية- الجولانية- الجزراوية)– أبقار الفريزيان هولشتاين– الأبقار المحسنة (المدرجة)، وهي تختلف من حيث المواصفات، الشكل والحجم والوزن، والمرعى والإنتاج، كما تختلف من حيث أماكن التربية والمناخ الملائم لكل من أنواعها.
وقد صرح أحد الخبراء في الإنتاج الحيواني، عبر إحدى وسائل الإعلام مطلع العام: أن الثروة الحيوانية بمختلف مجالاتها تضررت كثيراً خلال الحرب ومنها الثروة البقرية، التي أدى العنف الدائر في مناطق تربيتها إلى نفوق بعضها وذبح البعض، وتدهور إنتاجها وانحسار أعدادها بنسبة 60%، مبيناً أن ما لا يقل 85 % من مربي الأبقار هم من أفقر الفقراء في سورية، وهم يمثّلون 80% من مجمل المربين في البلاد، ويتميزون بصغر حجم الحيازة، أي: يملكون بين بقرة واحدة و10 أبقار فقط، ليشير إلى ارتفاع أسعار الأبقار جراء الأزمة الراهنة، بحيث بلغ سعر البقرة الواحدة مليون ليرة.
وبيّن الخبير أن الثروة الحيوانية تساهم بحوالي 33% من مجمل قيمة الناتج الزراعي، لترتفع هذه المساهمة متجاوزة 50% إذا ما تم احتساب المساهمات غير النقدية للثروة الحيوانية، السماد العضوي – قوة العمل، كما أنها مصدر رزق لحوالي مليوني مواطن، يعملون في قطاع تربية الحيوان، وتأمين 33 غرام بروتين يومياً للفرد.
وقد أصدرت وزارة الزراعة بعام 2013 تعليمات تقضي بوقف مشروع التدريج، بهدف الحفاظ على ما تبقى من الأبقار المحلية (الشامية والعكشية) بشكل نقي، ووضع برنامج لتلقيحها من ثيران نقية من نفس العرق بهدف تحسينها، مع الاستمرار بتلقيح الأبقار المحسنة (التي نتجت من تلقيح الأبقار المحلية من ثيران لعرق الفريزيان هولشتاين) ضمن برنامج نشر وتعميم التلقيح الاصطناعي بقشات سائل منوي من ثيران نقية لعرق الفريزيان هولشتاين.‏
عائدات التربية
مما لا شك فيه أن عائدات تربية قطعان الأبقار وغايتها هي انتاج مادتي الحليب واللحم، والتي تعتبر المصدر الأساسي من البروتين الحيواني، الذي يؤمن الطاقة لجسم الانسان.
بالإضافة إلى ذلك يجب ألا نغفل عما يمكن الاستفادة من القطعان على مستوى مخلفات الذبح، والمتمثلة بالجلود والأجزاء الخارجية والعظام والأمعاء، وغيرها من المخلفات الأخرى، بما في ذلك الروث الذي يدخل حيز الاستخدام كسماد، بما يحسن من خواص التربة مساهمة في زيادة إنتاج المحاصيل، بعيداً عن استخدام الأسمدة الكيميائية المسيئة للتربة وللمنتجات الزراعية.
بالإضافة إلى هذا وذاك فإن تربية الأبقار، وبقية أنواع الماشية، تؤمن فرص عمل تساهم بشكل أو بآخر بالحد من البطالة، خاصة وأنها ذات صبغة دائمة وليست موسمية، الأمر الذي يؤمن دخلاً قابلاً للتجدد بشكل يومي، بما يساهم في استقرار المربين.
وعلى هامش ذلك كلهِ فإن الحليب يعتبر مادة أولية لتصنيع العديد من المنتجات الأخرى، الألبان والأجبان والسمن والزبدة، على اختلاف أنواعها ومسمياتها وخصائصها، وما تؤمنه كذلك من فرص عمل وعوائد مادية، بالإضافة لفوائدها كمصادر غذاء أساسية عامة، تلبي الاحتياجات الاستهلاكية للمواطنين يومياً.
بناء على ما سبق يمكن استنتاج الآثار السلبية الكبيرة، وحجم الكارثة، التي ألمت بالمربين والفلاحين، كما بالمستهلكين، جراء تراجع وتدني أعداد الثروة البقرية في سورية، كما غيرها من بقية القطعان، أغنام العواس- الماعز الشامي.
استيراد بدلاً من الدعم!
هذا التراجع بأعداد القطعان، دفع باتجاه الاستيراد للتعويض عن النقص الحاصل، فقد نقلت إحدى الصحف المحلية عن مصادر في وزارة الزراعة، نهاية عام 2016، أن عدد الأبقار في سورية تراجع من مليون رأس في عام 2010، إلى 913 ألف رأس في عام 2016، بالمقابل فقد ارتفع سعر البقرة الواحدة ليصل إلى نحو مليون ليرة بعام 2016، فيما كان سعرها قبل عام من ذلك نحو 300 ألف ليرة.
وقد أعلنت وزارة الزراعة، على لسان الوزير مؤخراً، أن أول دفعة من الأبقار المستوردة، البكاكير عالية الإنتاجية، ستصل إلى سورية نهاية الشهر الجاري عبر ميناء طرطوس ليتم توزيعها على الفلاحين المكتتبين على هذه الأبقار، وأن عدد الابقار التي سيتم استيرادها وفقاً للعقد الموقع بين الوزارة والجهة المصدرة يبلغ /8000/ رأس من الأبقار، موضحاً أن الهدف من استيراد هذه الابقار هو ترميم النقص الحاصل في الثروة الحيوانية وزيادة الطاقة الإنتاجية للألبان والأجبان.
ربما الاستيراد بقصد ترميم النقص الحاصل بأعداد القطيع يبدو فيه جانب إيجابي، طبعاً مع عدم إغفال الجانب الربحي الاستثماري، الذي سيصب في جيوب البعض من هذه العملية، على حساب المربين، كما على حساب المستهلكين بالنتيجة، وهو أمر مفروغ منه بظل سيطرة العقلية الربحية الاستثمارية على الأداء والسياسات الحكومية، لمصلحة التجار والمستثمرين.
إلا أن واقع الحال يقول: إنه من الضروري والهام أكثر هو الاهتمام بالمربين والفلاحين ودعمهم، للمحافظة على ما تبقى من قطعاننا المحلية، خاصة وأنها متأقلمة مع البيئة المحلية، وتعتبر مقاومة للأمراض المستوطنة، حيث من الواجب حماية هذا القطيع وزيادة أعداده، وتأمين مستلزمات ذلك من رعاية بيطرية وعلف وغيرها، بدلاً من الاستيراد المكلف بالقطع الأجنبي، على حساب الخزينة، كما على حساب المربين، ناهيك عما يمكن أن يستتبع عملية الاستيراد من مخاطر على القطيع المحلي، من أمراض مختلفة قد تصيبه جراء إدخال حيوانات غريبة عنه.

البقرة الشامية
نموذج البقر الشامي قريب من نموذج أبقار الحليب المثلثي، ويكون أحياناً مندمجاً نسبياً، وهذه الأبقار حساسة الطبع، طيعة سهلة القياد صغيرة البطن نسبياً، لونها أحمر أو أشقر أو أصفر، ولا يشاهد اللون الأسود إلا نادراً. وهي كبيرة الحجم، طويلة الجسم، رأسها طويل نحيف والعينان كبيرتان ونشطتان، وفتحة الأنف كبيرة، والقرنان طويلان، ولهما أشكال مختلفة، وهما يختلفان أحياناً في الذكور والإناث. الرقبة متوسطة الطول نحيفة جيدة الاتصال بالرأس والجسم، اللب كبير والحوض ضيق، والظهر متقعر في الوسط، والصدر والبطن متوسطا السعة، والضرع كبير الحجم متوازن ومتوسط وزن الإناث التامة النمو 400-500 كغ، والثيران التامة النمو 700- 800 كغ، ووزن المولود عند الولادة 23-30 كغ، ومتوسط إنتاج الأنثى من الحليب في السنة 3000-4000 كغ بنسبة دسم مقدارها 4٪ وهنالك أبقار تعطي أكثر من 6000 كغ في الموسم، وتضع الإناث أول مولود لها وعمرها 28-30 شهراً، وهي ذات كفاية تناسلية عالية.
ويعد العرق الشامي في إنتاج الحليب أحسن من أي عرق آخر في آسيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
825