البطالة والتهميش بلاء السياسات
سمير علي سمير علي

البطالة والتهميش بلاء السياسات

تزايدت الأخبار في السنين الأخيرة عن الحوادث والممارسات الجرمية التي يقوم بها البعض، أفراداً أو مجموعات على شكل عصابات، تقوم بعمليات السلب والسرقة والسطو المسلح والخطف، وصولاً إلى القتل من أجل هذه الغاية.

تلك الحوادث والممارسات الجرمية لم تكن حكراً على منطقة دون أخرى، أو في مدينة دون سواها، أو في المناطق المأهولة أو المهجورة، أو في الطرقات وعلى الأتسترادات، كما لم تقتصر على سلب النقود أو السيارات والمنازل، بل تعدتها لعمليات الخطف بمقابل الفدية وصولاً للقتل، بالإضافة إلى تنوع الفاعلين الجرمين، بحيث لم تعد تلك الحوادث مقتصرة على الرجال بل أصبح للنساء دور فاعل فيها أيضاً.
الأسلحة المنفلتة في طور الاستثمار!
من دمشق إلى حلب وحمص واللاذقية والسويداء وغيرها من المدن والقرى والبلدات، يكاد لا يخلو يوم دون الإبلاغ عن جريمة، أو الإعلان عن إلقاء القبض على بعض المجرمين، مع البيان التفصيلي للجريمة بوقائعها وحيثياتها.
لكن اللافت بكل تلك الجرائم هو وجود السلاح، على اختلاف أنواعه، بأيدي من يتم إلقاء القبض عليهم، بالإضافة لما يُصرح به الضحايا عما في حوزة هؤلاء من أسلحة أثناء سردهم لمجريات الحوادث الجرمية التي وقعوا ضحيتها.
فإذا كانت التداعيات السلبية للسلاح المنفلت خارج حدود الضبط والرقابة قد تزايدت خلال سني الحرب والأزمة، وخاصة على مستوى بعض الاستعمالات السلبية في الأفراح والأتراح، أو في ردود الأفعال في المشاجرات التي تحصل هنا وهناك، مع الضحايا المحتملين من كل ذلك، فإن خطر هذا السلاح وتداعياته السلبية أصبحت أكبر بكثير بعد أن دخل حيز الاستثمار الجرمي، على أيدي بعض المجرمين، أفراداً أو عصابات، مع التزايد المطرد في أعداد الضحايا.
من التخطيط للتنفيذ!
فبعض الحوادث الجرمية المعلن عنها لها صبغة التخطيط الدقيق والمسبق، من حيث الفاعلين والضحايا والغاية والهدف، كما هي واقعة الجريمة المعلن عنها مؤخراً في منطقة جرمانا، على سبيل المثال لا الحصر.
وبعضها له الطابع الارتجالي من حيث الضحايا، لكنه مخطط من حيث المكان والفاعلين، كما هي حال وقائع سرقة السيارات على الطرقات.
أما الأخطر من هذه وتلك، فهي الممارسات الجرمية المتعلقة بعمليات الخطف من أجل الفدية، فهي الأكثر تخطيطاً وتدبيراً من هذه وتلك، من حيث الفاعلين والضحايا والغايات، وغيرها من المترتبات الأخرى من أجل إنجاح مثل هذه العمليات الجرمية.
عصابات!
لم تقف حدود الممارسات الجرمية عند استثمار السلاح والتهديد به، بل بعض العصابات تقوم بانتحال الصفة الأمنية، من أجل تسهيل عملها وسرعة إنجازه، وذلك استغلالاً للوضع الأمني الناشئ على هامش الحرب والأزمة.
ولعل العصابة التي تم إلقاء القبض عليها في اللاذقية بداية الشهر المنصرم، مؤشراً على ذلك.
فقد ألقى فرع الأمن الجنائي في محافظة اللاذقية القبض على إحدى عصابات الخطف والسرقة في المحافظة، حيث تمكن الفرع من إلقاء القبض على عصابة مؤلفة من /15/ شخصاً، ضبط بحوزتهم بطاقتين مزورتين، وبالتحقيق معهم اعترفوا بإقدامهم على تشكيل عصابة أشرار تمتهن السلب والخطف، وقيامهم بدخول عدة منازل منتحلين صفة أمنية بحجة التفتيش وسلب أصحابها ما يدخرونه من مبالغ مالية ومصاغ ذهبي، واعترفوا بارتكاب عدة سرقات، كما اعترفوا بقيامهم بدخول منازل أخرى في محافظتي دمشق ودرعا، وسلب مبالغ مالية ومصاغ ذهبي وأجهزة خليوية منها، واشتراك أحد المقبوض عليهم من أفراد العصابة بعملية خطف مواطن من مدينة اللاذقية.
الظواهر السلبية انعكاس للسياسات
مما لاشك فيه أن عمليات السلب والنهب والسرقة وابتزاز المواطنين وترهيبهم بقوة السلاح، هي واحدة من تداعيات الحرب والأزمة، وإحدى نتائجها، وخاصة في ظل ظاهرة انفلات السلاح.
لكن كل ذلك لم يكن ليفعل فعله بهذا السوء والنتائج السلبية الوخيمة لولا الظاهرة الأخطر والأعمق المتمثلة بالبطالة، وعدم وجود فرص العمل، وبسبب سياسات التهميش والإفقار التي أصبحت نهجاً حكومياً منذ عقود، تزايدت مفاعيلها وآثارها السلبية خلال سني الحرب والأزمة، كما كانت أحد أهم الأسباب الموضوعية للأزمة على المستوى المحلي.
فواقع البطالة لم يعد سراً خفياً، فقد أعلن البنك الدولي في تقريره الأخير عن أن نسبة البطالة في سورية تبلغ 78%، وخاصة بين أوساط الشباب.
وعلى الرغم من ذلك ما زالت السياسات الحكومية ماضية تهميشاً وإفقاراً وجوعاً للشرائح الاجتماعية الواسعة، كما ما زالت تحابي أصحاب الرساميل والاستثمارات على حساب هؤلاء، كما على حساب البلاد.
في ظل التوجهات الحكومية تلك، لن نتوقع إلا المزيد من المظاهر والظواهر السلبية، ولن نتوقع أداءً أفضل للأجهزة الرسمية على مستوى الحد منها أو ضبطها، بظل الاستمرار السياسات نفسها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
825