ضبوط المخدرات وحدها غير رادعة

ضبوط المخدرات وحدها غير رادعة

بين الحين والآخر، تعلن وزارة الداخلية عن ضبط مروجين للمخدرات، أو كميات معدة للتهريب، أو مهربة إلى الداخل، لكن بين طيات هذه الإعلانات هناك ماينذر بواقع سيء ازداد تفاقماً خلال سنوات الحرب، لكنه كان موجوداً قبلها.

ينتشر تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة بين فئة الشباب غالباً، فالمروجون يستهدفون هذه الفئة بالدرجة الأولى، مستغلين وضعهم المزري، حيث تعاني هذه الفئة من ضغوط كثيرة تؤرقهم، منها عدم توفر فرص العمل، والضيقة الاقتصادية، وانعدام الأفق نتيجة قلة الاهتمام بوضعهم، أو خسارتهم لذويهم ودراستهم، ماجعل منهم تربة خصبة للاستثمار من قبل المروجين.

استغلال الحاجة
يؤكد ذلك  رئيس محكمة جنايات دمشق القاضي سعيد بيطار، الذي قال العام الماضي، إن «التعاطي منتشر أكثر لدى الشباب والمراهقين والطلاب»، مضيفاً «في الفترة الحالية جرى ترويج للمواد المخدرة بسبب الفلتان في بعض الحدود مع الدول المجاورة، مما أدى إلى انتشار المخدرات والاتجار بها بسهولة كبيرة في المناطق الساخنة، بالإضافة لاستغلال البعض لظروف الشباب المدمنين وحاجتهم لتعاطي المخدرات، لاستخدامهم في ترويج هذه المواد بالمناطق الآمنة لقاء منفعة مادية أو تأمين ما يحتاجه منها، وبعض التجار يستغلون أوضاع المهجرين، ففي حالة رأيناها قام شخص باستغلال حاجة امرأة للسكن مع طفليها في منزل يملكه التاجر، وضغط عليها لتنقل المخدرات إلى أشخاص يتعامل معهم”.
في عام 2015، أعلن مصدر في وزارة الداخلية أن هذا العام من أكثر الأعوام من جهة ضبط كميات المخدرات والشبكات المهربة لها، ما يشير إلى أن هناك محاولات لجعل المجتمع السوري مستهلكاً لها ولاسيما فئات الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 18 إلى 25 سنة باعتبارها أكثر فئة عمرية معرضة لتعاطي المخدرات، مستدلاً على ذلك بأنه ضبط عدداً كبيراً من الشباب أعمارهم بين 18 إلى 25 سنة.
في العام ذاته، ضبطت وزارة الداخلية خلال أسبوع واحد 140 كيلو غرام حشيش و108 آلاف حبة كبتاغون، مايشير فعلاً إلى تنامي هذه التجارة والتعاطي بها من قبل الشبان، أما في عام 2016، فقد بين وزير الداخلية محمد الشعار، أنه تم ضبط أكثر من 1161.471 كغ حشيش مخدر و4.486 كغ هيروئين مخدر، و107 غرام كوكائين مخدر، 258 غراماً من القنب الهندي و44 غرام ماريجوانا و4210835 حبة كبتاغون، و2018483 حبة دواء نفسي.

تصنيع محلي وزراعة!
أما في عام 2017 فقد بينت الإحصائيات المعلنة حتى الشهر السادس من العام، ضبط 612.923 كغ حشيش، و11.507 هيروئين مخدر و30 غرام كوكائين مخدر، و850 غرام الأمفيتامين، و1.70 كغ مسحوق أوراق الحشيش، و43 غرام ماريجوانا، و843504 حبات كبتاغون، و10683251 حبة من حبوب دوائية نفسية، و90 غراماً مواد أولية لصناعة المخدرات، وهذه الأخيرة تشير إلى بدء عملية تصنيع المخدرات ضمن سورية.
وتأتي هذه الإشارة حول تصنيع المخدرات في البلاد بعد أقل من عام على حديث الرائد علي زيتون من إدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية بأنه « لا يوجد صناعة مخدرات في سورية بشكل شبه مؤكد، ويقتصر الأمر على إعادة توضيب وتغليف المواد القادمة من الخارج”.
بضبط المواد الأولية، تكون القضية راحت إلى أبعد من التهريب والتعاطي وقد يكون ذلك مؤشراً حقيقياً لازدياد عدد المتعاطين وخاصة الشباب، وفي تطور لافت أعلن المسؤول في إدارة مكافحة المخدرات الرائد يوسف إبراهيم الشهر الماضي: أن الإدارة نظمت ضبطاً لزراعة البعض عشبة الحشيش ضمن مساحة بلغت أكثر من 4 كلم مربع في إحدى المناطق الساخنة التابعة لمنطقة الغاب بريف مدينة حماة.

أرقام صادمة!
رغم ذلك، لازالت وزارة الداخلية تعتمد في إحصائياتها على الضبوط، وتؤكد من وجهة نظرها أن عدد المتعاطين في سورية قليل جداً، حيث هناك 89 مواطناً سورياً من بين كل مليون مواطن يعتبر متعاطياً للمخدرات، أي: أن عدد المتعاطين يصل إلى ما يقارب 1700 متعاطٍ أو أكثر بقليل إن فرضنا أنّ عدد سكان سورية هو 20 مليون نسمة.
ويبدو هذا العدد غير دقيق، ويمكن أن يلمسه أي سوري ضمن محيطه، حيث لا يقتصر تعاطي المخدرات على مادة الحشيش أو ماشابه، بل هناك نسبة كبيرة من المتعاطين وخاصة الشباب، المدمنون على الحبوب المخدرة والمهدئة.
ويقول أحد الصيادلة في منطقة ركن الدين لـ  قاسيون إن «عدد المدمنين على الأدوية المخدرة والمهدئة كبير جداً، وخاصة في هذه المنطقة»، وعندما ذكرنا له اصحائية وزارة الداخلية عن المتعاطين، قال ضاحكاً «في حينا أكثر من 100 شخص مدمن، وأهالي الحي يعرفونهم بالاسم”.
وتشير الإحصائيات المعلنة من قبل وزارة الداخلية، إلى وجود سوق لمختلف أنواع المخدرات في سورية، الرخيصة منها ومرتفعة الثمن، وبكميات لا بأس بها، بينما لا تعبّر هذه الإحصائيات عن حجم الظاهرة، بل على العكس، تشير إلى ماهو أخطر، وهو تنامي المشكلة التي باتت هناك حاجة ملحة لضبطها، ليش فقط بملاحقة المهربين والمروجين والمتعاطين.
وقد يكون تحصين الشباب ثقافياً وإعادة تأهيلهم وتوفير احتياجاتهم من فرص عمل وتسهيلات دراسية وما إلى ذلك من أمور هامة لبناء مستقبلهم، إضافة إلى منحهم الدور اللازم في المجتمع وعدم تهميشهم، نوع من الرادع الداخلي الأهم للتحصين من هذه التجارة.
وتصل عقوبة من يدخل المادة تهريباً إلى سورية ومن يصنع أو يزرع المادة هي الإعدام حسب القانون السوري، والحبس المؤبد للصيدلي الذي يصرف أدوية مخدرة دون وصفة طبيب.

أرقام أخيرة!
منتصف الشهر تم تداول الخبر التالي:
تمكنت إدارة مكافحة المخدرات بناء على معلومات وردت اليها من ضبط 11 كيلوغراماً من مادة الحشيش المخدر و 74.000 حبة كبتاغون مخدرة مخبأة في منطقة نائية في ريف دمشق، ومازالت أعمال البحث والمتابعة مستمرة لصاحب المواد المخدرة المتواري لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه.
وقد سبق ذلك خبراً من وزارة الداخلية، مطلع الشهر، مفاده: من خلال المتابعة المستمرة لكشف الوسائل كافة التي يستخدمها مروجو هذه المواد بقصد إخفائها وعدم كشفها من قبل الأجهزة المختصة، ومن خلال التفتيش الدقيق للبضائع، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات من ضبط كمية 30 ألف حبة من الكبتاغون المخدر، مخبأة بشكل فني وسرّي ضمن (بحرات الزينة).
ومن خلال المتابعة تم إلقاء القبض على الشخص الذي قام بوضع هذه الطرود، ومازالت التحقيقات مستمرة معه لكشف جميع المتورطين في القضية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
824