كاميرا اللاجئين تغير مهمتها
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

كاميرا اللاجئين تغير مهمتها

من سيئ إلى أسوأ هو واقع حال اللاجئين السوريين في المنافي القريبة والبعيدة، وفي المخيمات الحدودية، أو في داخل بلدان اللجوء ومدنها، وفي كل مرحلة تتغير طبيعة تسليط الضوء الإعلامي على معاناة هؤلاء السوريين تبعاً للظرف السياسي.

عاصي اسماعيل
هذا السوء المتزايد، والذي يتزايد بشكل أكبر على الموجودين من هؤلاء في المخيمات الحدودية، وخاصة في دول الجوار، على ما يبدو ليس وليد صدفة، بل هو نتاج لجملة من العوامل، أهمها أن هؤلاء دخلوا طور النسيان، وخاصة على المستوى الإعلامي.
ملف استثماري دولي!
من اللحظة الأولى، ومنذ اللاجئ الأول، على هامش الحرب والأزمة السورية وتداعياتها، تم تسليط الأضواء على هؤلاء، مع الكثير من الضخ الإعلامي عنهم، وعن معاناتهم، والصعوبات التي واجهتهم وأجبرتهم على مغادرة بيوتهم ومدنهم وقراهم، مع الكثير من التضخيم أحياناً بغاية الاستثمار السياسي والاقتصادي على حساب هؤلاء، ولمصلحة الدول المضيفة، أو بعض القوى الفاعلة في الحرب والأزمة السورية، حتى أصبح ملف اللاجئين ملفاً استثمارياً دولياً بجدارة، تستثمره كل دولة بالشكل الذي يحقق لها بعض المكاسب والغايات والأهداف، بالإضافة لاستثمار هذا الملف من قبل بعض المنظمات الدولية، وبعض القوى الأخرى، وكل وفقاً لمصالحها وأهدافها.
من تركيا إلى الأردن، مروراً بلبنان وليس انتهاءً بالدول الأوربية ومنظمات الأمم المتحدة، كان ملف اللاجئين السوريين فرصة من أجل جني المكاسب، حيث تم عقد الكثير من المؤتمرات، وسخرت الكثير من الأدوات، بما في ذلك الإعلامية منها على وجه الخصوص، تحت عناوين التشرد والحاجة والمأساة والكارثة، من أجل تأمين الموارد والمساعدات الدولية لهؤلاء، وتأمين سبل معيشتهم في بلدان اللجوء، وقد كان لافتاً عمليات تضخيم الأرقام المتداولة أحياناً، والتناقض بها في كثير من الأحيان، وكل ذلك من أجل تحقيق أكبر مكاسب مادية واقتصادية للدول المضيفة على حساب معيشة اللاجئين الفعلية واحتياجاتهم، ناهيك عن الاستثمار السياسي منقطع النظير من قبل هذه الدول بهذا الملف، حتى أصبح لدى بعضها واحداً من ملفات المفاوضات الدولية، كما هي الحال مع تركيا ومفاوضاتها مع الاتحاد الأوربي، بالإضافة لكونه من الملفات التي تم استثمارها بشكل كبير على مستوى الأزمة السورية وبعمقها من قبل القوى الفاعلة والمؤثرة فيها، داخلياً واقليمياً ودولياً.
تعبئة واستثمار مضاد!
مؤخراً بدأ هذا الملف يخبو إعلامياً، على الرغم من أن واقع اللاجئين يزداد سوءاً وتردياً على المستويات كافة، فقد تدنت معدلات الضخ الإعلامي بهذا الملف، كما لم تعد التغطيات الخاصة به كما كانت عليه سابقاً، لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً، بالمقابل فقد تزايدت وارتفعت وتيرة الضخ الإعلامي المضاد، حيث لم تعد المشكلة بهذا الملف هي واقع التشرد والحاجة والمأساة والكارثة، بل أصبحت المشكلة في وجود اللاجئين في البلدان المضيفة، وتأثيرات ذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في هذه البلدان، مع بعض التعبئة الإعلامية، المباشرة وغير المباشرة، التي تعزز السلوك العنصري تجاه اللاجئين أحياناً، ولعل ما تم رصده من هذه الممارسات في بعض الدول المضيفة هو جزء صغير من واقع أصبح أكثر مأساوية يعيشه اللاجئون السوريين حالياً في بلدان اللجوء، والدليل الأكبر على ذلك أن غالبية هؤلاء، وخاصة من مازال منهم في المخيمات الحدودية، بات وضعهم أسوأ بكثير، بل ويتزايد هذا السوء يوماً بعد آخر، وخاصة في الفترة الأخيرة، في ظل غياب، أو التغييب المتعمد للإعلام عنهم وعن واقعهم ومعاناتهم المستمرة.
الارتباط بالحل السياسي
ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن قلنا أن خبو الملف، بالجانب الإنساني منه، من التداول الإعلامي مرتبط بشكل مباشر بالإيجابيات المحققة على مستوى المضي بالحل السياسي قدماً لمصلحة السوريين دون سواهم، واتفاقات وقف إطلاق النار ومناطق تخفيض التصعيد، في ظل تغير خارطة التوازنات والعلاقات الدولية، وهو ما بات واضحاً وجلياً، حيث لم يعد الاستثمار الدولي بهذا الملف، بجانبه الإنساني، يحقق الجدوى منه، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي بالنسبة للكثير من الدول والقوى الفاعلة بالأزمة السورية، خاصة مع بدء تخفيض المساعدات الدولية التي كانت تجنيها دول الاستضافة، لذلك بدأت محاولات الاستثمار المضاد بهذا الملف، في الدول المضيفة، وخاصة على مستوى التعبئة العنصرية المضادة لوجود اللاجئين، مع الكثير من الإجراءات الرسمية السلبية تجاه هؤلاء في هذه الدول، مع عدم إغفال بعض الدعوات المتضمنة التهويل والتخويف والخشية من عودة اللاجئين إلى بلدهم، كتعبئة مضادة للسوريين أنفسهم، بغاية إطالة أمد الاستمرار بالاستثمار بهذا الملف قدر الإمكان، مع ما يعنيه ذلك من مساعٍ بائسة للتأثير السلبي على الحل السياسي نفسه من هذه البوابة.
بناء على ما سبق كله يمكننا القول: إن المضي بالحل السياسي لخواتيمه وفقاً للقرار الدولي 2254، والذي فُرِض عنوة تحت ضغط خارطة التوازنات والعلاقات الدولية الجديدة لمصلحة السوريين، وحده الكفيل بمنع الاستمرار بالاستثمار بهذا الملف، وبمعاناة اللاجئين السوريين، كما بمعاناة السوريين، وكارثتهم الإنسانية عموماً، وكلما تم الإسراع بهذا الاتجاه، كلما تسارعت وتائر عودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم وأرضهم وبيوتهم ومدنهم وقراهم، باعتبار أنّ غالبية هؤلاء مصرون على العودة، منتظرين الفرص السانحة أمامهم من أجل تحقيق ذلك.

مهمات ملحة
يبدو من الضرورة حالياً، وبظل واقع الإيجابيات المحققة عبر الحل السياسي حتى الآن، التركيز على أهمية استكمال اتفاقات وقف إطلاق النار واتفاقات مناطق خفض التصعيد، وتوسيعها وتعميقها، عبر تأمين فرص استعادة الحياة لهذه المناطق بأسرع ما يمكن، ولعل ذلك يبدأ اعتباراً من العمل على تكريس حالة الاستتباب الأمني والعسكري فيها، مع إعادة تأهيل البنى التحتية بهذه المناطق، وفتح الطرقات والمعابر، كي تعود الحياة الطبيعية إليها تباعاً، مما يسهل ويساعد على تسريع عودة اللاجئين والنازحين من أبناء هذه المناطق والمدن إليها، كي يقوموا بواجبهم ودورهم بهذا المجال كذلك الأمر، مع عدم إغفال أهمية هذه الإجراءات على مستوى الدفع الإيجابي بمسيرة الحل السياسي وأفقها القادم من كل بد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
823