تحسين للخدمة أم أفخاخ لزيادة الريع والأرباح؟!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تحسين للخدمة أم أفخاخ لزيادة الريع والأرباح؟!

أصدرت الشركة السورية للاتصالات، مطلع شهر نيسان، قراراً تم بموجبه اعتماد أسعار تعرفة جديدة لخدمة الانترنت، بمعنى آخر تم رفع أسعار الخدمة على المشتركين.

 

وقد بررت الشركة مضمون قرارها، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، بالتالي:

«حرصاً من الشركة السورية للاتصالات على ضمان استمرارية خدماتها بجودة تتناسب مع حاجات وتطلعات مشتركيها الكرام، تم تعديل أجور خدمة انترنت ( تراسل ADSL) حيث سيبدأ العمل بالأجور الجديدة اعتباراً من 1/4/2017، منوهين أن هذا التعديل جاء ليغطي ارتفاع التكاليف التي يتم إنفاقها لتقديم الخدمة وإتاحتها للمشتركين». 

كما وأملت الشركة حسن التفهم!.

عروض!!

يشار إلى أن الشركة السورية للاتصالات كانت قد أعلنت عن عروض خلال شهر آذار للمشتركين من أجل زيادة السرعات، حيث تضمن العرض الأول:

اشترك بانترنت تراسل ADSL من السورية للاتصالات بسرعة (2 ميغا ) أو (4 ميغا) واحصل على حسم 50 % من أجر التركيب، وحسم 30 % من أجر الاشتراك الشهري، ولمدة تمتد حتى 3 أشهر ( آذار- نيسان –أيار).

كما تضمن العرض الثاني:

ارفع سرعة الانترنت تراسل ADSL من السورية للاتصالات إلى سرعة (1 ميغا ) أو (2 ميغا) واحصل على حسم 30 % من أجر الاشتراك الشهري، ولمدة تمتد حتى 3 أشهر ( آذار- نيسان –أيار).

وللاشتراك بالعرض، أعلنت الشركة أن المراكز الهاتفية بانتظار المشتركين اعتباراً من 5 آذار وحتى 28 آذار 2017.

توضيحات وزارية!

وزارة الاتصالات والتقانة، وضحت ارتفاعات الأسعار بما يلي: «تمّت دراسة رفع أسعار بوّابات الـ DSL، لدى مزوّد تراسل التّابع للشركة السّوريّة للاتّصالات، ليحقق تغطية جزء من التّكلفة التّشغيليّة لمشروع الإنترنت، والتي أصبحت مرتفعةً جدّاً نظراً لتوسّع البوّابة الدّوليّة، وكذلك تكاليف التّشغيل الأخرى، حيث تجاوزت قدرة الشّركة على تحمّلها، فجاءت هذه الدّراسة لتكون متناسبةً ومتوازنةً، بالإضافة إلى أن الاسّتخدام الكثيف لمواقع التّواصل الاجتماعي أثّر على إيرادات الشّركة، من خلال التّطبيقات المتاحة بهذه الوسائل، وقد راعت الشّركة أسعار السّرعات الأكثر استخداماً لدى المواطنين وهي (1 ميغابيت/ثا – 2 ميغابيت/ثا) حيث تم رفعها بنسبة لا تتجاوز 18%، أمّا بخصوص السّرعات العالية فهي مخصصة للشّركات الكبيرة، أو لمقاهي الإنترنت، والتي تؤمّن إيرادات لأصحابها عند الاسّتثمار، وبالنسبة للسّرعات المتدنية (256 كيلوبيت/ثا – 512 كيلوبيت/ثا) فإن الاتّجاه العالمي، كذلك اتّجاه الشّركة السّوريّة للاتّصالات، هو نقل هؤلاء المشتركين إلى السّرعات (1 ميغابيت/ثا) أو (2 ميغابيت/ثا) لذلك تم رفعها بنسبة أعلى، جاءت بحدود 45%، مع التّأكيد على سعي الشّركة السّوريّة للاتّصالات لتقديم أفضل الخدمات وبالجودة المناسبة.

أفخاخ مبرمجة!

من الواضح أن العروض التي سبق للشركة أن أعلنت عنها، وسوقت لها، خلال آذار، كانت أحد الأسباب الرئيسية لزيادة عدد مشتركي السرعات (1 ميغابيت/ثا) و (2 ميغابيت/ثا)، الذين كانوا مشتركين بالسرعات المتدنية (256 كيلوبيت/ثا – 512 كيلوبيت/ثا) والذين يمثلون الشريحة الأوسع من مستخدمي النت في البلد، نظراً للواقع الاقتصادي المعاشي المتردي لعموم السوريين، لتظهر النتيجة حسب التوضيح الوزاري أن السرعات (1 و 2 ميغابيت/ثا) هي الأكثر استخداماً لدى المواطنين بنهاية آذار ومطلع نيسان، موعد إقرار التعرفة الجديدة، ولتتضح الصورة بشكل فاقع أن الشركة والوزارة تضافرت جهودهم من أجل نصب ذاك الفخ للمواطنين بالنتيجة.

علماً أن الكثيرين من المشتركين، الذين غُرر بهم وقاموا برفع السرعات لديهم، كانت غايتهم الاستفادة من العروض خلال المدة المقررة فقط، بدليل أن الكثير من الاستفسارات على الصفحة الرسمية للشركة، حول إمكانية العودة للسرعة المتدنية بعد العرض، وقد كان الجواب بإمكانية ذلك، ولكن بعد تقديم طلب عن طريق مركز الهاتف، وتسديد مبلغ 500 ليرة لكل طلب، يتم استيفاؤها عبر الفاتورة.

ولعل ما يؤكد النية المبيتة على نصب تلك الأفخاخ للمواطنين، يمكن استشفافها من خلال الموعد الذي وضع أمام المواطنين للاستفادة من العروض المقدمة، حيث حددت اعتباراً من 5 آذار وحتى 28 آذار 2017، ليأتي قرار رفع الأسعار مطلع نيسان تتويجاً لذلك لاحقاً.

الذرائع الممجوجة!

أسوأ ما في الأمر هي تلك الحجج والذرائع، التي يتم الاتكاء عليها عند رفع الأسعار من قبل مقدمي الخدمات، مثل عبارة: «ضمان استمرارية الخدمات بجودة تتناسب مع حاجات وتطلعات المشتركين الكرام»، أو عبارة: «التعديل جاء ليغطي ارتفاع التكاليف التي يتم إنفاقها لتقديم الخدمة وإتاحتها للمشتركين»، أو عبارة: «التّكلفة التّشغيليّة لمشروع الإنترنت، أصبحت مرتفعةً جدّاً نظراً لتوسّع البوّابة الدّوليّة».

وكأن تلك الخدمات كانت تقدم مجاناً، أو كأن المشتركين لم يقوموا بتسديد رسوم التركيب والاشتراك، أو كانوا ممتنعين عن تسديد الرسوم الشهرية!.

والأسوأ من هذا وذاك هو: طلب حسن «تفهم» المشتركين، في حين أن الشركة لم تتفهم في يوم من الأيام واقع سوء الخدمة، وخاصةً في ظل الواقع الكهربائي العام في البلد، ومع ذلك لم تعمد يوماً إلى التخفيض، وفي الوقت نفسه تتذرع بالاسّتخدام الكثيف لمواقع التّواصل الاجتماعي!!.

علماً أن قطاع الاتصالات، يعتبر من القطاعات الرابحة، فكيف يتم تسويقه على أنه مكلف بالنسبة للشركة، وهي غير قادرة على تحمل هذه التكاليف؟.

أو لعله في الأمر «إنّ» ستظهر لاحقاً، عبر العناوين الحكومية المتمثلة بالتشاركية والخصخصة، أسوةً بقطاع الخليوي، سيئ الخدمة والصيت والسعر!.

الشريحة المنبوذة!

من الواضح أن شريحة محدودي الدخل من المشتركين هي المستهدفة من القرار أعلاه، وهم مشتركو السرعات المتدنية، وهي الشريحة الأوسع استخداماً لخدمات الانترنت، وهو ما لم يتم إخفاؤه سواء عبر العروض، الأفخاخ، التي تم الإعلان عنها عبر شركة الاتصالات، أو عبر توضيحات الوزارة، التي لم تغفل ممارسة الضغط من أجل رفع السرعات لمشتركي هذه الشريحة، وبالنتيجة بالإعلان الرسمي بأن رفع السعر الذي طال هذه الشريحة من المشتركين قارب الـ 45%، دوناً عن غيرهم من المشتركين، بما فيهم مشتركي السرعات العالية، المخصصة للشّركات الكبيرة، أو لمقاهي الإنترنت، والتي لم تخف الوزارة أنها تؤمّن إيرادات لأصحابها عند الاسّتثمار!.

وكأن لسان حال الشركة والوزارة يقول: إن محدودي الدخل والمعدمين وأبنائهم، وخاصةً الطلاب، وهم الشريحة الأكبر والأوسع استخداماً لشبكة الإنترنت، لا تلزمهم هذه الخدمة، كما وستحّمل هؤلاء دون سواهم، تكاليفها عبر رفع السعر عليهم بتلك النسبة الكبيرة، وكأن الأمر «تطفيش»، وذلك تماشياً مع الاتجاه العالمي، الذي لم يتم إغفاله أيضاً، على هذا المستوى، بدلاً من تخفيض الأسعار على هذه الشريحة، ورفعها على الشرائح التي تحقق الأرباح!.

إفقار وتجهيل

والحال كذلك، فإن هذه الشريحة، محدودي الدخل والفقراء والمعدمين، ستحرم من ميزة الحصول على المعلومة والمعرفة والعلم، وفقاً للاتجاه الحكومي الرسمي السائد والمحابي لأصحاب الأرباح، والمساير للاتجاه العالمي المحكوم بالريع والربح الرأسمالي، والمسخر لمصلحة الكبار من أصحاب الرساميل فقط، ليصب بنهاية المطاف مع غيره من التوجهات الحكومية الليبرالية المعمول بها، هكذا وبكل صلف بالطرح والممارسة، التي لم تعد مخفيةً أو من تحت ستار، بل باتت بهذا الشكل العلني الفج.

لنقول بالنتيجة: إنه لا يمكن لعاقل أن «يتفهم» هذه الأساليب الملتوية، وقد آن للحكومة، ومن خلفها من ممثلين للاتجاهات المحلية والعالمية، بحثاً عن الريع والربح، أن يكونوا هم المتفهمين والفاهمين، بأن الإفقار والتجهيل المتعمد للشرائح الأوسع اجتماعياً، مغبته وانعكاساته السلبية ستكون وخيمةً عليهم، دون سواهم، بنهاية المطاف، عسى يدركون ذلك قبل فوات الأوان، ولن يفعلوا!..

معلومات إضافية

العدد رقم:
805