أصحاب البسطات في العاصمة يتحَدُّون قرار المحافظة
الأزمة الوطنية العميقة و الكبرى التي تمر بها البلاد منذ ما يقارب السنة، ألقت بظلالها المعتمة على مظاهر كثيرة في حياة السوريين، فقد استغلت شرائح اجتماعية كثيرة من المجتمع هذه الأزمة من تجار ومتعهّدي البناء وصولاً إلى الحيتان الكبيرة من تجار مواد السلة الغذائية، وخاصة الموردين الكبار الذين أعطت لهم الحكومة الضوء الأخضر ليستغلوا الأزمة أبشع استغلال على حساب حاجة المواطنين، وقد أطلق هؤلاء الحيتان العنان لجشعهم ليستغلوا الظروف العامة فأمسكوا بخناق المواطن حتى في مجال المواد التي تنتج وطنياً، ولا علاقة لارتفاع سعر الدولار أو انخفاضه بها.. فما علاقة جرزة البقدونس، أو البيض بموضوع الدولار؟؟
وفي هذا الوضع، لاقت مهن عديدة رواجاً كبيراً، وخاصة بعد أن تيقن أصحابها أن عين الحكومة غافية، وهي مهن كثيرة لكن أكثرها ملاصقةً للمواطنين مهنة البسطات التي ملأت دمشق بكل الاتجاهات الحيوية، مثل محيط جامعة دمشق وسانا والبسطات المتواجدة في الحمراء والجسر الأبيض، وبعض الساحات في باب توما والعباسيين.
فقبل شهرين كان المارة يستطيعون بشقّ الأنفس عبور رصيف البرامكة الذي اكتظ تماماً بجميع أنواع البسطات، ووصل الأمر ببعض المبسّطين للتقاتل بالسكاكين من أجل الظفر بمكان يفردون فيه البضاعة، وبالإضافة إلى التعطيل الكامل وليس شبه الكامل للرصيف، واضطرار المارة إلى السير في عرض الشارع، وتعرّض العديد منهم لحوادث سير مؤسفة، نتيجة الضغط على الرصيف، كان الكثير من مشغلي الرصيف من ذوي «الدماء الفائرة» وأصحاب السوابق والزعران، فكانوا يقومون بإزعاج المواطنين، والتفوه بكلمات بذيئة عندما يتعثر حظ أحد الزبائن أمام بسطته، ويسأل عن سعر قطعة كهربائية أو حذاء أو قميص رديء، ويتحسس جيبه دون أن يستطيع الشراء، إضافة إلى انحطاط أخلاق البعض ومعاكسة الفتيات المارات، وربما تحسس أجسادهن في بعض الأحيان!
يارب الأزمة تطول!!
سمعت بإذني العديد من هؤلاء «السوقيين» يقول جهاراً إننا هنا نربح آلاف الليرات، وتصل إلى جيوبنا ما لم نكن نحلم به يوماً، وكانوا يتذكرون بشيء من الاشمئزاز أيام كانت سيارات المحافظة وشرطتها ما إن تقترب من محيط المكان حتى يهرعوا، وينادوا على بعضهم بإيحاءات وتصفيرات خاصة «لضب أغراضهم» على عجل، والهرب من شرطة المحافظة.
هؤلاء المنتفعون الجدد ومستثمرو الأزمة كثيراً ما كانوا يقولون: يا رب تستمر الأزمة أكثر فأكثر!! فنحن الرابحون من استمرار الأزمة لأن الحكومة غير مبالية بوضع الشارع والأرصفة، وهي تغض الطرف عنا، وتخشى إغضابنا حتى لا ننخرط نحن أيضاً في المظاهرات، خصوصاً أن هذا المكان حساس وحيوي.
ولكن بعد حوالي ثلاثة أشهر او أكثر من «احتلال» الأرصفة الحيوية في العاصمة كلياً، كشرت المحافظة عن أنيابها، واستطاعت بمساعدة ومؤازرة من الشرطة وقوات حفظ النظام من تنظيف الأماكن التي شغلها هؤلاء، وتنفس المارة الصعداء، وعاد البريق إلى الأرصفة، كما ارتاح الناس من القمامة والمخلفات التي كانوا ويرتكونها وراءهم في آخر الليل.
جولة أخرى..
لكن ما حصل أن أصحاب البسطات استغلوا «لطف» المحافظة من جديد، ومن جديد راحوا يحتلون كامل الرصيف دون رقيب أو حسيب، ما حدا بمحافظة دمشق لتحدد قبل أيام مهلة جديدة مدتها ثمان وأربعون ساعة لأصحاب الإشغالات والبسطات المتواجدة في الحمراء والجسر الأبيض ومحيط جامعة دمشق لإخلاء هذه الأماكن والانتقال إلى الأماكن التي حددتها المحافظة بشكل مؤقت ومجاني.
وجاء قرار المحافظة هذا نظراً لتفاقم ظاهرة الإشغالات والبسطات في شوارع ومحاور وأحياء مدينة دمشق، وخاصة القريبة من مركز المدينة والأسواق التجارية الرئيسية، ومنطقة ومحيط الجامعة نتيجة الأوضاع الراهنة التي أدت لقدوم العديد من المواطنين من خارج العاصمة للعمل في مجال البسطات التي تجاوزت أعدادها حالياً عشرين ألف إشغال مختلف، ما سبّب حالة من التذمر من قبل أصحاب المحال التجارية والتجار القاطنين في تلك المواقع في مدينة دمشق بسبب الإعاقة الشديدة لحركة المرور والمشاة والمضايقات والمشاجرات اليومية بين أصحاب المحال والشاغلين.
وكانت المحافظة حددت سابقاً مواقع مجانية لهذه الإشغالات إلا أن الأغلبية منهم لم يلتزموا بها، ولكن حتى هذه اللحظة لم يلتزم أصحاب البسطات بإنذار المحافظة، وكأن القرار المذكور لا يعنيهم، بل يلاحظ منذ يومين أن البسطات كثرت كسابق عهدها قبل أشهر، وصارت مرتعاً للفساد والصراخ والعياط، وستسبب من جديد في إعاقة مرور المارة على الرصيف، وبالتالي تعرضهم لحوادث مؤسفة نتيجة مرورهم في عرض الشارع، وستتعرض من جديد ساحات وشوارع دمشق للمخلفات والقذارات التي يخلفها هؤلاء الباعة المتنعمون!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 541