إبراهيم اليوسف إبراهيم اليوسف

وداعاً أيها الشاعر نوري أبو عابد وداعاً أيها البلشفي الجميل..!

لقد كان وقع غياب الشاعر د. نوري أبو عابد بمثابة صعقة كبيرة في نفسي إذ علمت، وبمحض المصادفة، وفي وقت جد متأخر نبأ رحيل هذا الصديق الجميل، شاعر الموقف، بل رجل الموقف الذي كرس حياته برمتها من اجل مبادئه التي آمن بها منذ نعومة أظفاره، ولم يبدلها في أي ظرف صعب غير فيه سواه جلودهم، بل لأقل أقنعتهم.

لعلي أحد هؤلاء الأصدقاء، الذين عرفوا هذا الرفيق الجميل عن قرب، من خلال العمل التنظيمي و الثقافي والإعلامي في منظمة الجزيرة، فلعلي أرى أن للرجل ديناً في ذمتي، وعلي أن أتحدث عن بعض ر ىأ سجاياه، وخصاله وغيريته، وتفانيه من أجل الرسالة التي آمن بها من خلال الترجمة الدائمة لرؤاه على نحو عملي. وهل من برهان أكبر على هذا القول أكثر من أن أقول بأنه:

وإلى جانب قلة قليلة من أطباء الحزب منهم د. نبيه رشيدات بكل تأكيد، أفضل من ترجم قسم أبقراط على حساب لقمته، رغم أن كثيرين من أقرانه أعمت بصائرهم غواية الثراء السريع، فكسبوا بذلك ما أرادوه، كي يخسروا أنفسهم بعد ذلك.

مؤكد. أنني مهما حاولت أن استرسل في الحديث عن هذا الصديق الجميل، فلن أفيه حقه، وسأحس باستمرار بأن ثمة الكثير مما لم أقله عنه.وهذا ما لايتم إلا مع أصحاب القامات العالية ـ والأرواح الاستثنائية وشاعرنا أحد هؤلاء بامتياز.. طبعاً.

إنه الشاعر الرقيق والعذب الذي لم يبع قلمه، وظل يكتب قصائد مدوية،واضحة الهوية، واضحة الانتماء، قصائد تشبه روحه الرافضة للظلم والظلام، والتائقة لغد جميل لا استغلال فيه، لا جور فيه، لا عسف فيه.. لا زيف..

ولعل ما حز في نفسي كثيراً هو أننا بدأنا في فترة نقاهته ـ قبل مغادرته القامشلي المدينة التي أحبها وخدم فقراءها على نحو غير مسبوق ـ  بدأنا نعفيه من الدعوة للمساهمة في الأمسيات الأدبية التي كنا نقوم بها ودون أن نكترث بإلحاحه في كل مرة، نزولاً عند رغبة رفيقة دربه والأطباء المشرفين عليه، حرصا ًعلى صحته. لاسيما وأنه كان يعيش حالة قصيدته أثناء إلقائها على جمهور الملتقى، وهذا ما كان يتنافى وتوجيهات الأطباء الذين أشرفوا على الاهتمام به، وهو عموما ًمن الناحية العلمية كان في طليعة هؤلاء، والأجدر بينهم على الإطلاق، رغم أنه قد تمت محاربته من قبل عبدة الثراء منهم الذين كان لا يكف عن فضح  ممارساتهم اللصوصية. وهذا ما جعل ردود فعل هؤلاء قوية تجاهه، كي يدفع فيما بعد ضريبة إنسانيته، وصدقه على أيدي تجار المهنة المقدسة حقاً.

والحروب التي أعلنت ضد أبي المجد كانت كثيرة، بيد أنها في نهاية الأمر كانت نتاج هزيمة أساطين الجهل والخديعة أمام قوة حضوره، ولعل أبا المجد خبرهم من قبل، ولم يتوان عن تعرية ممارساتهم، لاسيما وأنه في أيامه الأخيرة في مدينته الثانية كان يعدد أسماءهم واحداً واحداً، ليرثي بذلك فصام القول والفعل، وما مغادرته لـ «قامشلي» إلا لكي يجد الوقت للعودة إلى كراسة الشعر، يفرغ للنشر فوق مساحاتها البيضاء، عصارة الرؤى، دون أن يلهث إلى الظهور والنشر كغيره ممن كانوا يزعمون الإبداع من حوله، مدركاً أن  لنصوصه خصوصيتها، وصدقها، مثلما كانت روحه، عارفاً تماماَ أن الزمن لابد وأن يقول كلمته بكل صدق حول هذا وذاك. بعيداً عن ممثلي الكواليس والدهاليز الضيقة ممن كان يعرفهم جيداً... جيداً.

ولكم كان مؤلماً أيها الرفيق الشاعر أن يتوقف خافقك عن النبض. ويحتضنك ثرى قاسيون. دون أن يكون من بين مشيعيك أي منا نحن رفاقك الذين أحببتهم.. وكرست من أجلهم جزءاً كبيراً من فضاء روزنامتك وذلك في أخصب فترة عطائك اللانهائي.

وداعاً أيها الشاعر نوري أبو عابد.

وداعاً أيها الرفيق الطيب والجميل..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
180