ماذا تقول يا صاحبي؟ وقائع لا بد أن تقرأ!

● لشد ما آلمني بل استفذني منظر مئات الجنود اللبنانيين وهم يتركون أماكنهم في مرجعيون، ويسلمون مواقعهم لقوة إسرائيلية لا يتجاوز عددها مائة عنصر، طوقت ثكنتهم دون أن يطلقوا لو طلقة واحدة في وجه عدوهم المحتل، وبخاصة كونهم جنودا، يدنس العدو قداسة ترابهم الوطني في الجنوب، وهذا- طبعا - بإيعاز متواطئ من حكومتهم التي أمرتهم بعدم المجابهة وترك الموقع بعد تسليم سلاحهم لقوات اليونفيل، وحرمتهم شرف حماية الوطن .وهذا الفعل المخزي جعلني أسأل نفسي بحرقة وغضب: كيف يقبل هؤلاء الجنود مثل هذه المهانة، ولا يبادرون للتصدي لمن أهانهم، ولم يكتف بذلك بل تابع توديع موكبهم ببعض القذائف القاتلة من طائراته؟!.

• الجميع يا صاحبي تابعوا بألم واستهجان كل ما جرى، لكن ذلك على بشاعته لن يشوه صورة الجيش اللبناني.
● إن هذا الفعل الغريب يتركك في دوامة من الاضطراب والتشويش والألم لدرجة الغثيان الذي يقطع الأحشاء، وذلك يدفعني للشك في جدوى القتال، فالأمور تسير نحو مزيد من الآلام والدمار والموت ،وأنا مصدوم ومضطرب ولا أخفي عليك أنني حين أقرأ مثلاً القول: لا رهان على أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، والقول: إن من يراهن على الشعب لا يمكن أن يهزم، بل يفرض الهزيمة على المحتلين ومن وراءهم، يتملكني شعور القلق والتوجس في أن ما أقرؤه هو فيض عاطفة جامحة سرعان ما تهمد وتتلاشى عندما تلامس نار الواقع الشاخص أمام كل العيون!!.
• لقد قلتها أنت بلسانك «عندما تلامس نار الواقع» ومن هذه العبارة بالتحديد سأنطلق معك في حوار سداه ولحمته الوصول إلى فهم متقارب لما نراه ونعيشه.
● في الحقيقة هذا ما أرغب فيه وأنا على أتم الاستعداد، فمن أين نبدأ؟
• لتكن البداية من رسم صورة واضحة للواقع، ومن ثم نتحاور في كل ما يتعلق فيه، ولتبدأ أنت في رسم الواقع كما تراه.
● الواقع الذي أراه يتمثل بمنطقة تلتهب بعدوان وحشي على أهلنا في لبنان بسلاح مدمر يطال كل شيء «البشر والشجر والحجر» موقعا أفظع المجازر بالأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين، تلك المجازر التي فاقت جرائم النازيين والعنصريين.
• أوافقك في كل ما ذكرته، وهو بلا أدنى شك حيز كبير وهام من الصورة الشاخصة أمامنا، ولكنه ليس الصورة الكاملة، لذلك لا بد من أن نكمل رسم الصورة برؤية الحيز المقابل للحيز الذي رسمته.
● في مواجهته تقف المقاومة التي تقاتله وحيدة على أرض الجنوب.
• الآن ظهرت إلى حد كبير معالم صورة الخندقين المتحاربين،ولم يبق أمامنا إلا أن نرى تفاصيل ما يجري فعلا على كل من الجانبين، لنفهم حقيقة الأمور، وإلى أين تتجه، ولنصل إلى حكم دقيق وقناعة صحيحة وفي مقدمة هذه التفصيلات ما تصنعه وتحققه تلك المقاومة الأسطورية التي تشبثت متجذرة بتراب الوطن صامدة في وجه الإعصار المدمر تسطر ملحمة النصر المؤزر الآتي بفجر الحرية الحمراء ليبدد كل ظلام الطغيان والهمجية، ولينظف ثرى الوطن من رجس الاحتلال، ألست تتابع ما تنزله من ضربات موجعة وخسائر فادحة في صفوف العدو وفي عمق كيانه الاستيطاني الذي بدأ يهتز من جذوره؟!
● ما تقوله يوضح أشياء كثيرة، ولكنني ما زلت أحس بالقلق والحيرة!
• الإحساس بالقلق أمر مشروع، ولكن غير المشروع أن تضيع منا البوصلة وسط هذا الصراع الملتهب!! وبخاصة أن الأمور قد وضحت جلية أمام أنظارنا، وما يجري على أرضنا اليوم هو جزء لا يتجزأ من الصراع الإنساني ضد الغيلان من أعداء البشرية والحياة.
● صحيح أنه جزء من الصراع الإنساني، ولكن من يضمن أن ينتهي لمصلحة الإنسانية، وليس لمصلحة الغيلان والحيتان الوالغين في دم وثروات الشعوب المغلوبة على أمرها؟!.
• الجواب عن سؤالك هذا تكتبه الآن تضحيات المقاومة المظفرة فوق أرض الجنوب رغم أنف الأمريكان والصهاينة الغزاة وكل الذين يسيرون في ركابهم، وتباشير الانتصار على الطواغيت المنفلتين من عقالهم تشع ملء الأبصار، وبطولات المقاومين تسطر: ليس الصبح ببعيد.... ها قد أشرق.
فماذا تقول يا صاحبي؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
279