أحمد ويس الشمام أحمد ويس الشمام

محاربة الفساد.. بين الجدل والدجل الإعلامي

 قرأت في العدد السابق لقاسيون 287 الخميس 3 آب 2006 مقالة بعنوان «وقفوا ضد الفساد فاتهموا بالفساد» وكم بدت لي الصورة مأساوية عندما وجدت أنه لا يزال هناك من يعتقد أن ظاهرة فساد ما في إحدى تجلياتها يمكن أن تعمل ضد الحاضنة التي أفرزتها، متناسيا أو معميا عن رأس المال الموظف إعلاميا لرسم أبهى الصور للفساد المعولم، والذي انتقل في بلدنا من مرحلة التلثم والتخفي إلى لبس ربطات العنق والظهور بالسيارات الفارهة بلا خجل، بل وبكل فخر مادام هناك من يكتب عنه بهذه اللغة وخصوصا الفساد الذي يرفع شعار مكافحة الفساد، إني أستغرب أن يصف كاتب المقال «أحد المهندسين الشرفاء وهو المهندس ماجد حميدان بأنه ممن وقفوا ضد الفساد فاتهموا بالفساد» ناسيا حقيقة أنه لايمكن لأحد ثمار الفساد أن يكون محاربا للفساد الذي أتى به، وهو سؤال برسم رئيس الحكومة السابق ووسطائه الأجلاء.

 وقبل أن أقوم بالرد على هذه المقالة أقول: إنه من الذوق ألا نتكلم على مسؤول بعد كف يده بعد أن كنا نقبلها ونتمسح بها، فذاك موقف هزيل جدا، وهو ما اعتدناه في صحافتنا الرسمية غالبا ومن بعض (صحفيي) هذه المحافظة المسكينة من مقالة «عودة اللكوش إلى الصحراء» انتهاء أو مرورا بمقالة أخينا الكريم خالد عبد الله الحمود وإلى مالا نهاية ربما، ولست أدري إن كان اسمه صريحا أم مستعارا؟
أكتب باسمي الصريح، والذي يزيدني عزما أني أحد موظفي مؤسسة الحبوب - فرع القامشلي، وأعرف «أحد المهندسين الشرفاء وهو ماجد حميدان» قبل إسناد المهمة إليه، وبعيدا عن الالتفاف على الألفاظ والكتابة الصحفية المطاطة والفضفاضة، سأحاول الرد على النقط الواردة في المقال واحدة تلو الأخرى.
يقول كاتبنا المبجل «منذ أكثر من سنتين أسندت الدائرة إلى أحد المهندسين الشرفاء ...الخ» ويستعين بالفعل (أسند) وهو بصيغة الفعل الماضي المبني للمجهول، وكأن قوة إلهية إصلاحية بالتأكيد هي التي أنعمت علينا به لمحاربة الفساد في هذه المؤسسة، والسؤال كيف أسندت وفي أي ظرف ومالذي أبداه من تفان في العمل ومكافحة اللصوص والمرتشين، وهو رئيس مركز الميلبية كسائر رؤساء المراكز الآخرين وهناك من هو أقدم وأنظف وأجدر منه بإدارة الفرع؟؟ والجواب في جعبة ذاك الماضي المجهول، أي برسم رئيس الحكومة السابق محمد مصطفى ميرو والوسيط الذي يعرفه موظفو مؤسسة الحبوب في القامشلي والحسكة أماد.
إسماعيل إسماعيل النظيف حسب علمي حتى تولي المهندس ماجد حميدان إدارة فرع حبوب القامشلي، فلست أعلم تغيرات الخط البياني لمستوى نظافته، ولا عن رفضه التبرك بالفروع الأمنية، اللهم إلا إذا كفاه التبرك بابنه الصغير المدلل ماجد حميدان خير التبرك بالفروع الأمنية، خصوصا بعد عودته (المديرالعام) من الحج في رأس السنة السابق وصدور قرار تثبيت ما يقارب 20 موظفا وكيلا أو متعاقدا بتاريخ 28 ـ 29 / 12، أي قبل قرار منع تثبيت الوكلاء بثلاثة أيام فقط دون مسابقة أو فحص أو حضور ممثل للنقابة (المكرودة)، ولست أدري ماذا حصل في زيارة المباركة تلك؛ ربما بين له السيد ماجد حميدان أنهم فقراء، مستغلا رهافة قلبه المعتمر شعاب مكة ليقنعه بأن يحارب الفساد بهم، وأن غيرهم لا يستحق.. إننا في زمن تسود فيه ثقافة الفساد نرى فسادا ونشم فسادا ونشرب فسادا ونتنفس فسادا ونجوع ونشبع فسادا ونسمع فسادا لدرجة أننا لا نعرف عدد ولا أسماء المفسدين، بل نعرف من هم خارج دائرة الفساد لأنهم الأقل والأسهل حفظا في ذاكرة أتخمها الفساد.
وكذلك المواقف لا نذكر منها إلا الصحيح، لأن الحديث عن المواقف المفسدة متعب لدرجة التخمة، وعليه لا أذكر أحدا رفض إصلاح وتغطية محروقات سيارات المحافظة والمكتب التنفيذي إلا السيد حميد عبد الحي، وعانى جراء ذلك من عداوة المحافظ السابق سليم كبول الذي اعتبره سيئا لهذا السبب.
وأعتقد أن ما وفره المدير العام ومدير فرعه هو ما اقتطعاه من «إضافي الموسم» لكامل موظفي المؤسسة وإلغاء أذون السفر وأجور الجولات لعناصر الرقابة الداخلية ورؤساء الدوائر، ربما لدفعهم للرشوة لئلا يكونوا أطول يدا أو لسانا أو عصا، ولست أدري إن كانت هذه خطته أم خطة من هو أعلى منه من القامشلي إلى الحسكة إلى دمشق...
... المصلحة قد استشرت في المجتمع وأصبحت الناظم لعلاقات الفرد الاجتماعية ومن ثم السياسية ومحددة لانتمائه السياسي لحزب يضمن له قوة أو منصبا مرموقا، وهنا أقول لكل الأحزاب على الساحة العربية من مصر إلى العراق: ما نفع حزب قوامه المتملقون والمتزلفون والباحثون عن كراس والمنتسبون لجيوش مهمتها حماية الكروش العروش فقط؟؟ وللتندر أقول أيضا لأخينا الحريص على مكافحي النزاهة ـ الفساد بمنظوره: أما فكرت أن تدخل للإنترنت وتبحث عن كلمة عنزة في «غوغل» للبحث لكي تقرأ ما كتب عن شريفك ماجد حميدان وقصة العامل في مركز تل زيوان واضطراره لبيع عنزته إسهاما منه لمساعدة ماجد حميدان في مسيرة محاربة الفساد لينقله إلى مركز السفح بصفة مرقم!! والآخر الذي اقترض تلفزيونا من الجمعية بأقساط على راتبه المكافح رسميا لتحسين وضعه الوظيفي، والذي أعرفه من كل المراكز أن لمدير الفرع حصة محسوبة بمثابة إتاوة لإدارة الفرع وعلى الخبير الذي يريد مركزا فيه نسبة تسويق عالية وفلاحوه (دفيعة) أن يمر إلى مدير الفرع لفرزه هناك قبيل الموسم.

وأسأل أخانا:
ما تفسيرك لانتقال شارع القوتلي «العشاق» في القامشلي إلى شارع في حي القصور في الحسكة قبيل الموسم ـ طبعا للرجال فقط ولموظفي مؤسسة الحبوب حصرا حيث يسكن أحد المهندسين الشرفاء على حد قولك؟ ربما هي مسيرة عفوية / كسائر مظاهراتنا / لمبايعته وحضه على السير قدما في مكافحة الفساد؛ أو لكتابة التقارير ضد المفسدين لينقلها بدوره إلى المدير العام الذي رفض التبرك بالدوائر الأمنية فبركته أكبر لأن سماء الأمن يمكن أن تمطر نجوم الظهر في كف ولا يمكن أن تمطر ذهبا ولافضة.

وأضيف للمكافح المنافح عن الفساد سؤالا آخر:
ماسر توزيع الخبراء على المراكز ووفق أي طريقة وأخذا برأي من؟ ولماذا اعتبرت بعض المراكز مغلقة لطاقم محدد تم اختياره حسب الجدارة التي لها مقاييسها الخاصة عند السيد مدير الفرع؟؟ وما مهمة المدير العام سوى التصديق على خططه؟؟؟
أعيد يا سيدي، إذا سألتني لماذا لم أكتب سابقا؟ أجيبك بصراحة لا يضيرني أني أستعدي بها كل من حولي وأقول: لقد تكلمت مسبقا في إطار عملي قبل أن يأتي ماجد حميدان وكوفحت، فما كان مني إلا أن نأيت بنفسي عن الخطأ قدر مستطاعي ولست نبيا بل مسني الخطأ في أحيان كثيرة، أما عن الكتابة في مواضيع كهذه فإني مقل في الكتابة وأخاف من الانتقال إلى دير الزور أو مركدة وغيرها من المراكز البعيدة كما حصل لزميل قديم سأله صحفي عن مؤسسة الحبوب فأجاب بصراحة وما كان من هذا الصحفي إلا أن ذهب إلى مدير الفرع آنذاك وهو «أحد المهندسين الشرفاء» الذي تخرج ماجد حميدان من تحت يده ـ أقصد السيد غسان ملوك؛ وأعطاه التحقيق الصحفي مما أدى إلى مكافأة الصحفي (اترك تقديرها للجميع) ومعاقبة الموظف بالنقل بعد التوسط والترجي والاعتذار وتقبيل الأيدي البيضاء إلى مركدة!! على ما أظن أنحني باحترام أمام الصحافة الحرة والمسؤولة لذلك أمشي مرفوع الرأس بقناعاتي وبلا تردد واستذكر في هذا المقام مراسلي الصحف الذين مروا علينا في مراكز تسويق الحبوب مزودين بعدتهم / مسجلة صغيرة وأعداد قديمة من جرائد لا يقرؤها عشرة أشخاص في مدينة ما وأحيانا فتيات غير جميلات من خارج المحافظة، وكثيرا ما كان رؤساء المراكز التي أخدم بها يطلبون مني الحضور لأسألهم عن الصحف التي يكتبون بها ليهابوا مني قليلا فيقبلوا بالمبلغ المدفوع كثمن غداء ينشغلوا به عن مشاكل الموسم؛ الموسم الوفير للفلاحين ولموظفي الحبوب ولمن يراقب عملهم عن بعد وعن كثب وللمراسلين وغيرهم وغيرهم.
وإني إذ أقول ذلك أمتلك الأدلة على ما أقول كشاهد على أشياء كثيرة لم أذكرها، ولست انصح أحدا أن يضطرني لفتح ملفات أوسع بحيثيات أدق، لأن ذلك سيفضح قائمة أسماء من المفاتيح والسماسرة... أما بخصوص أمين فرع الحزب فإن موقفه لم يختلف كثيرا عن مواقف مسؤولي هذا البلد الكبير، فهو ليس إلا غيض من فيض حمى التصفيق للمسؤول الأعلى والتبني للمسؤول الأدنى ماداما على الكرسي، من رؤساء الجمعيات الفلاحية إلى نائب رئيس الجمهورية السيد الشريف عبد الحليم خدام، وكلنا رأى أن مجلس الشعب لم ينبس ببنت شفة بخصوصه حتى بعد تنحيته، إلى أن أعلن ولاءه الممسوخ لأعداء الخارج، وكان من يجب أن يتكلم عنه فقط هو عدو الخارج وننسى عدو الداخل الذي يشكل رصيدا لهذا الخارج الذي يهددنا، وعن كون أمين الحزب السيد محمد السطام قد أعطى رأيا متناقضا فهذا صحيح، إذا ما كان بين قوسين في المقالة السابقة من كلامه وذلك ليس خروجا عن المألوف في قيادتنا الحزبية السابقة، والحر تكفيه الإشارة أما هشاشة شخصيته من عدمها فتلك يحددها ويتحمل مسئوليتها من انتخبوه، وهم يعرفون تماما أنه يستحق منصب أمين فرقه أم أمين فرع وأكثر أو أقل مع احترامي للمنصبين، وأعتبره مسؤولا عن كثير من السلبيات وأشكال الفساد التي لم تعالج حتى الآن بموجب المنصب الذي تبوأه، وأنفي وبشكل قاطع أن يكون شريكا مع أحد في فساد منسق في المحافظة، لأنه شخص نظيف بلا شك، أما قدرته كقائد سياسي فذاك حديث له شجون! وأدعي جازما أن أحدا لم يتقدم للسيد أمين فرع الحزب ولا للمحافظ ولا قائد الشرطة بأي شكوى، وما ذلك إلا لأن مواطننا ما عاد يشعر بجدوى اعتراضه على خطأ رغم وجود قلة يمكن أن تنصفه وأخرى تريد ولا تستطيع بسبب تحجر القوانين.. أقول ذلك لألمس جرحا محددا.. إن المواطن ضاع فيمن يستجير ويتخبط في ظلمة الفساد والمفسدون هم الأكثر تبجحا بمحاربة الفساد.. هنا يتحدد على المواطن واجب النهوض وحتى الصراخ ضد المفسدين لتكون هناك ثقافة لمحاربة الفساد ضد سواد ثقافة الفساد، أما الصحافة فعليها المسئولية الكبرى لتكون منبرا للمثقف الأصيل لا للمستثقفين والمصفقين..

أما الجهات الرقابية فأذكر بأن مؤسسة الحبوب قد قدمت إليها بعثة تفتيشية من الجهاز المركزي للرقابة المالية ووجدت دلائل وإدانات خطيرة، ولكنها نامت في أدراج فرع الجهاز أو رئاسته في دمشق.. أناشد من يسمع بذلك من الجهات المسئولة أن يلحق به قبل أن تأكله الفئران..
ما أود قوله ختاما: إن مؤسسة الحبوب كسائر مؤسسات الدولة فيها فساد كثير، ولكن يجب ألا تعتبر كبش فداء يترقى بدمه مسؤول ما على أنه كشف فسادا ما (وقد كشف ما كشف بالصدفة ومن عتال فقير ـ فالفقراء أكثر وطنية من غيرهم) الفساد في مؤسسة الحبوب ككل الدوائر الأخرى.. وأضرب مثلا المصارف الزراعية التي أحيل بعض موظفيها إلى القضاء عن قضايا حدثت منذ أعوام، ولم تكتشف إلا الآن. والسؤال ما مدى مسؤولية المفتشين السابقين عبر كل هذه الأعوام عن تقاريرهم التفتيشية التي برأت هؤلاء الموظفين في جولاتهم التفتيشية السابقة وما أكثرها؛ ثم ألا يجب استحداث طريقة لرفع مستوى الإحساس بالمسؤولية لدى الجهات التي تقترح وتقيم؟ بمعنى ما ألا يجب معاقبة من تبنى واقترح أشخاصا بحد عينهم ليترأسوا دوائر في الدولة ثم ثبت فسادهم؟ ألا تجب معاقبة المقترح على سوء الشخص المقترح بعد ثبوت إدانته؟ يبدو أن هناك مفاتيح أكبر وأدهى في اللعبة، وما هذه إلا مشاكل طافية على السطح، وما في العمق عصي على القول إن المفسد يبحث عن المفسد ليتعاونا من أجل مصالحهما؛ أعتقد أن على النظيف أيضا البحث عن النظيف ليتآزرا يدا بيد من أجل مصلحة أكبر وأجل هي الوطن بأسره، لأن هذا الوطن في النهاية لن يكون إلا لأبنائه النظيفين الذين يكدون ويعملون ويشقون أما المفسدون فهم زبد و" أوطانهم حيث أموالهم " كما قالت قاسيون ذات مرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
279