نوار الدمشقي نوار الدمشقي

معادلة الدخل والإنفاق

أستفيق صبيحة كل يوم على المعادلة الوحيدة التي أعرفها وأعيش تفاصيلها وأتحمل تبعاتها، وهي معادلة الدخل والإنفاق، والفارق الكبير بين طرفي هذه المعادلة، الذي يجعلها غير متساوية الطرفين، ومستحيلة الحل بالنسبة لي كما لغيري من محدودي الدخل والفقراء والمعدمين في البلد.

 

كما أُمسي على التبريرات والوعود والبرامج والديباجات الإعلامية، والعبارات الاقتصادية والتأويلات التي تسوقها الحكومة عبر مسؤوليها، والتي بنهاية الأمر تُجير جزءاً هاماً من معاناتي، إلى عدم قيام الجهات العامة بدورها وبمهامها المطلوبة على مستوى الخدمات والأسعار والأسواق، بل وتحملني جزءاً من هذه المسؤوليات أيضاً!.

كروشهم الكبيرة

هذه التبريرات والوعود الرسمية، تتحدث عن أحد طرفي المعادلة، وهو: الإنفاق فقط، وبشكل مشوه ومقصود أيضاً، تحت عناوين الرقابة والمتابعة والمحاسبة وغيرها، وبعيداً عن أي حديث عن دور الحكومة على مستوى الطرف الآخر من المعادلة، والمتمثل بمستوى الدخول المتآكلة! وبعيداً عن الحديث عن سياساتها، التي زادت من إفقاري وعوزي لدرجة الاستنزاف والجوع، والتي فسحت وتفسح المجال واسعاً من أجل المزيد من الإثراء، للتجار والمستوردين والسماسرة والمتنفذين والفاسدين وتجار حرب وأزمة، على حسابي وحساب غيري من المسحوقين، حيث أراهم في كل يوم منتشرين في الأسواق والمطاعم وعلى الشاشات، بكروشهم الكبيرة ومحافظهم المتسعة ومرافقتهم المنتفخة وبسياراتهم الفارهة.

جدولة الأولويات

هذا الفارق يعني تراجع معدلات استهلاكي الأُسري يوماً بعد آخر، وإعادة ترتيب إنفاقي هذا، على الأساسيات والضروريات، على المستوى المعيشي اليومي، بالإضافة إلى إعادة جدولة ديوني بين الضروري والأضر، على مستوى من يقبل من الدائنين لهذه الجدولة في مطلع كل شهر، بما يتوافق مع دخلي المحدود والمتآكل، في ظل الارتفاع الدائم للأسعار، وتراجع القيمة الشرائية لليرة، وكلها محاولات فاشلة مني، كي أقرب طرفي المعادلة إلى حدود التساوي، ولكن دون جدوى!، بظل استمرار الحكومة بتعاميها عن هذا الواقع المجحف بحقوق المواطنين عموماً، ومحاباتها لأصحاب الكروش والجيوب الكبيرة.

السياسات أُسّ المشكلة

المواطن الذي يعيش معاناة تدني أجره ودخله، وواقع جنون الأسواق، والتحكم بآليات العرض والطلب، على مستوى السلع والخدمات، والاحتكار ورفع الأسعار، بالإضافة إلى معاناته على مستوى تدني المواصفة والجودة، ناهيك عن وجود بعض المواد والسلع المقلدة والمغشوشة والمضرّة بالصحة، لم تعد تعنيه المبررات «الخنفشارية» غير المقنعة من قبل الحكومة، والناطقين باسمها، فقد بات يدرك تماماً، أين تكمن المشكلة وجذرها، خاصة بعد نتائج التقشف والعقلنة والترشيد وتصحيح الأسعار، التي كانت عناوين وممارسات إضافية أدت إلى زيادة تدهور الواقع المعيشي للمواطنين عموماً، بالإضافة إلى اللامبالاة الرسمية بالمعاناة اليومية لهم على كافة المستويات.

فإذا كانت المؤسسات والجهات العامة والمسؤولون لا يقومون بدورهم بالشكل المطلوب، حسب ما تقر به الحكومة أحياناً، وهم بآن يقومون بتنفيذ السياسات العامة الموضوعة لهم من قبلها، مع اتحاف المواطن بالبيانات والإحصاءات الرقمية التي تدعم نجاح هذه السياسات وتوافقها مع الخطط الموضوعة! يتضح أن المشكلة وأسبابها الحقيقية تكمن في جذر هذه السياسات نفسها، ومن خلفَها من مستفيدين ومستغلين، كما أن الطرف الآخر من المعادلة العصية عن الحل حسب ادعاءات الحكومة، والذي يتمثل بالدخول، هو جانب أساسي من تلك السياسات العامة على المستوى الاقتصادي والمعيشي والخدمي، وهو مستهدف من هذه السياسات لمصلحة حفنة من كبار المستفيدين والمستغلين وحيتان السوق والفاسدين.

تسويق باسم الوطن

المزعج في ذلك كله وبعد وقائعنا اليومية التي نعيشها كلها، على المستوى المعيشي والأمني، بظل الحرب والأزمة وسنواتها الطوال، وما تكبدناه من ضرائب دم ودمار وتشرد ونزوح وغيرها، أن تلك السياسات يتم تسويقها باسم الوطن والمواطن، وما هي إلا كُفر بالانتماء وبالوطن والوطنية والمواطن، خاصة وأن نتائجها وانعكاساتها اليومية أصبحت تفقأ العين، بالمزيد من العوز والجوع والتشرد.

ومآل المواطن والوطن يقول: أصبحنا على ما أمسينا عليه، تردٍ مستمر على المستوى المعيشي والخدمي، بظل استمرار السرقة المشرعنة والسياسات المُفقرة والمزاودات الكلامية والإعلامية.

علماً أن هذه المعادلة، كغيرها من المعادلات التي فرضت علينا كمواطنين، ليست مستحيلة أو عصية عن الحل، فلا «مجاهيل» فيها، بل كل أطرافها الفاعلين فيها كلهم والمتضررين منها، والمستفيدين من عدم مساواتها «معاليم»، والمشكلة تكمن بطريقة الحل، وبيد مَن ولمصلحة مَن؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
789