وسيم الدهان وسيم الدهان

أولويات الحكومة والسُّلَّم المقلوب غرامة على التدخين في الأماكن العامة!

«أقر مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 16/12/2008 مشروع قانون لمكافحة التدخين في جميع الأماكن العامة بما فيها المطاعم والفنادق على أن يتم تخصيص أماكن للمدخنين بنسبة محددة من المكان»..

ما ورد أعلاه هو «زبدة» خبر أوردته المواقع والصحف الرسمية في سعيها لتغطية جهود الحكومة التي تَعدُّ العدة منذ شهور لمشروع قانون «مكافحة التدخين»، التزاماً منها بموافقة سورية على اتفاقية منظمة الصحة العالمية حول مكافحة التبغ التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية عام 2003.

وبعيداً عن إرهاصات الحرية الشخصية وتداخلاتها مع الحرية الاجتماعية، وعن الدخول في مفاهيم وأبعاد «العام» و«الخاص» في الأماكن داخل سورية التي باتت بمعظمها مسرحاً للاستثمار الخارجي، وبالتأكيد على عدم الإقلال أبداً من أهمية هذا القرار وإيجابياته، يجب التنويه إلى أن الركض وراء الأمور السطحية لمعالجة الأوضاع المتردية للمواطنين، لا يتم ولا يبدأ بقرارات من هذا النوع، ففي حين ينتظر المواطنون من الحكومة اتخاذ قرارات وخطوات عملية في قضايا أكثر حيويةً وأشدّ ارتباطاً بواقع الناس المعيشي، مثل مشاكل العشوائيات وبدائل السكن، وقضية الضمان الصحي للموظفين والعمال، والسعي لكبح معدلات التلوث والضجيج الآخذة بالارتفاع، نرى أن الحكومة تهتم دائماً بالأمور السطحية التي لا تعدو كونها انعكاساً لتفاعلات اجتماعية ـ اقتصادية أعمق.

أكيد أن في التدخين مضرة، ولكن يبقى من الضروري التذكير بأساليب الإعلام الرأسمالي الذي يعمد عموماً إلى تحميل التدخين (وغيره أحياناً) كل مصائب الناس الصحية، فيوردون عن أخطاره الإحصائيات والدراسات السنوية والشهرية، ويبرزون أعداد الذين «يقتلهم» التدخين، ويعددون الأمراض الناتجة عن هذه الظاهرة، متجاهلين الأسباب الحقيقية التي تقتل الآدميين حول العالم، وعلى رأسها الفقر وتراجع المستويات المعيشية لمعظم سكان المعمورة، ناهيك عن شيوع سوء التغذية المزمن الذي يعانيه بعض السكان والتلوث البيئي الذي يعانيه الكوكب، وغير ذلك الكثير من الأسباب التي تتحمل مسؤولية توليدها الرأسمالية العالمية أولاً وأخيراً.

ويبدو أن بعض القرارات الحكومية بدأت تسير على هذا النهج متناسيةً أنها هي الداء الأكبر الذي يهدد الصحة العامة (العقلية منها والجسدية). ومع التأكيد مجدداً على ضرورة مكافحة هذه الآفة والدعوة إلى اتخاذ إجراءات كافية للقضاء عليها كظاهرة سلبية في المجتمع، لكن لابد من الإشارة إلى أن الأولوية التي تتبعها الحكومة في اتخاذ قراراتها، والتي غالباً ما تكون انعكاساً لموضة عالمية (أوروبية أكثر الأحيان)، لا يجلب للناس أي نوع من المسرّة، وقانون «مكافحة التدخين» وإن كان ضرورياً بصورة أو بأخرى إلا أن مكافحة البطالة والفقر، ومكافحة ارتفاع الأسعار، ومكافحة الفساد.. هي (إذا ما أخذ بها) قرارات وإجراءات أكثر أهمية ونفعاً للمواطنين فرادى ومجتمعين!.

ومن الملفت للنظر في القرار الحكومي (قيد التبلور) أنه يقترح سجن المخالفين وتغريمهم مالياً، ما يوجب السؤال حول نية الحكومة بـ«تعتير» المواطن أكثر مما هو «معتّر»، وزيادة طين حياته بلاً عبر زيادة تكاليف الحياة عليه من حيث يعلم ولا يعلم، وصولاً إلى تغريمه على طريقة تنفسه (مع دخان أو بغيره)، وبات من الواضح أنها «لا بترحم ولا بتخلي رحمة الله تنزل».

ونهايةً، لا نعلم إن كان المدخنون من أعضاء الحكومة ومرافقيهم وحراسهم وخدمهم وحشمهم وأقربائهم وأنسبائهم والمستقوين بهم ومن لف لفهم، سيلتزمون بقرار كهذا في حال أقره مجلس الشعب، أو أنهم سيلتفون عليه كما في قرارات أخرى كثيرة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
385