مطبات حلم بـ 13 توقيعاً

يحلم الآن أكثر من 100 ألف عامل سوري بمنزل في المساكن العمالية. تحلم العائلات التي تعيش على الإيجار، التنقل بموجب العقد، الأمر الواقع الذي يفرضه المؤجر، بيت إما بأكثر من راتب الزوج، أو الذهاب إلى أقصى المخالفات للبحث عن منزل لا يليق بحياة البشر.. هذه العائلات تحلم بما هو أكثر إنسانية

المنزل الحلم يراود العاملين.. ليحصلوا على مكسب حقيقي بعد سني العرق والشقاء، سنين من الانتظار على وعد قادة الطبقة العاملة لهم، وشعارات رددها الكثيرون ممن تبوؤا قيادة الطبقة الكبيرة، واستفادوا وحدهم من الشعارات، ركبوا السيارات الفارهة والمعتمة والسوداء، بينما كان العمال يتراكمون فوق بعضهم في (البيكابات) صيفاً وشتاءً، في الحر والبرد، سكن الانتهازيون (الفلل) والقصور، بينما حلم السكن العمالي يراود الجموع الشقية، ومع ذلك كانت الجموع تهتف لقياداتها ونقاباتها، ما من مدير عام إلا واستكتب على بيت له ولأقاربه، ما من سمسار إلا واستفاد من هرولة الجموع باتجاه الحلم.
الطبقة الحالمة لم تزل تبني الوطن، العمارات، المعامل التي تنتج، المنازل التي لا يسكنونها، الطرقات التي تسير عليها سيارات ناهبيهم، ومترفي البلد، ما زالت لا تشكو من ضيق اليد، وبؤس الحال لأنها مشبعة بالأمل، وبالشعارات، ما زالت تبني الفنادق الفارهة تحت عنوان فنادق العمال، لكنها لا تستطيع مجرد التفكير بالمرور بجوارها، هل يستطيع عامل أن يحتسي الشاي في (صحارى)؟ فهو للمؤتمرات وإقامة ضيوف القيادة النقابية، وتكريم المتفوقين يقام فيه بتكاليف فنادق الخمسة نجوم.
الطبقة الحالمة تعد ثبوتيات أحقيتها بمنزل صغير بعد عقود من التعب، العرق، النسيان، ولكن ماذا أعدت لها قياداتها من شروط وأوراق.. صك استحقاق يثبت أنها بلا ملكية، فارغة اليد، ولا حيلة لهذا الحلم دون إثبات.
اليوم يدور العمال من دائرة إلى أخرى، من وزارة لأخرى، من مكتب لآخر، طوابير العمال تصطف اليوم أمام المؤسسة الاجتماعية العسكرية، وزارة الإسكان، المصالح العقارية.. طوابير تبحث عن 13 توقيعاً دون هوادة لتثبت أحقيتها بالحلم.
الاتحاد العام حتى تاريخه لم يجد صيغة واضحة لقبول الطلبات أو الاعتراض عليها، ما زالت بعض الاتحادات في المحافظات (تتحزر) حول الشروط التي يحق من خلالها لهذا العامل أو ذاك للتقدم لمسابقة الحلم الصعب، وفي تفسير ما معنى ألا يكون العامل مالكاً لسهم أو أكثر هو وعائلته وذويه، أما شروح الاتحاد فتأتي حسب التساؤلات، ومن ثم مدد الاتحاد فترة تمديد الطلبات، وحدد موعداً جديداً، ومن ثم لجان الاعتراض، والقبول، وإرسال الذين اعتمدتهم شركاتهم ودوائرهم كمستحقين ثم دراستها، وهنا لابد من الوقوف عند ذلك، كم منزلاً سيسجل المدير له و لعائلته وحماته وعديله...إلخ.. من المستحقين بحكم القرابة للطبقة العاملة من خلال قياداتها!؟
ألم يكن في وسع الاتحاد العام أن يستفيد من التجارب السابقة دون الوقوع في مطبات متكررة، هذا عوضاً عن المشاكل والمعضلات التي سوف تحدث؟ بعض الاتحادات وصل الأمر فيها إلا أن يشتغل العمال ببعضهم، هذا يصور منزلاً مملوكاً لعامل يدعي أنه لا يملك شبراً في الوطن، وهذا يرد بالمثل.. عدا عن التقارير التي سطروها إلى هنا وهناك بعضهم ببعض.
اليوم يعمل السماسرة كأنهم في موسم لا يحسدون عليه، العامل يسلم طلبه مقابل مبلغ مالي، والسمسار يعقد صفقته في الدوائر الـ13، وبعض السماسرة يعقد صفقات أكبر وعينه على البيت مثل الذين يحلمون به، لكن ليس بالعين نفسها، عين المحتاج ليست كعين التاجر.
عدرا العمالية على سبيل المثال صرح حضاري للطبقة العاملة رغم معمل الاسمنت الذي ينفث سمومه وموته البطيء فيها وحولها، والمسافة الشاسعة التي تبعدها عن المدينة، حيث أغلب العمال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كم من مستحق حقيقي يسكنها، وكم من منزل لمدير ومتنفذ استفاد من محسوبية وواسطة؟
13 توقيعاً ربما لا تؤهل العامل ليحصل على منزل في السبع سنوات القادمة من عمر السكن العمالي الجديد، مع العلم أن بعض المحافظات لم تخصص لهذا المشروع فيها الأرض التي سيبنى عليها.
من حق الطبقة العاملة أن ترث على الأرض سقوفاً كالتي تبنيها، ليس مهماً أن تشبه القبب والقرميد الأحمر، وفيلات يعفور، أسقف لرد المطر والحر، للنوم في الظل بعد نهار طويل وعمر من التعب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
409