بين التعليم والمازوت.. وأحلام الفقراء
في حوار أجرته الزميلة «تشرين الاقتصادي» مع النائب الاقتصادي السيد عبد الله الدردري، نشر في العدد 19 بتاريخ 14 تموز 2009، قال الأخير في معرض حديثه عن أحلام الفقراء: «إن أهم شيء بالنسبة للفقير أن يكون التعليم أساسياً لأبنائه في أفقر قرية في سورية، بسوية تعليم أغنى الأغنياء بدمشق، وهو أهم بكثير من أن يكون سعر المازوت رخيصاً».
وليس واضحاً إذا ما كان السيد عبد الله الدردري يدرك حقاً أن كلامه لا أساس واقعياً له، وأن العلم يمضي، نقيض كلامه، باتجاه أن يكون حكراً على الأغنياء فقط، ولعله لا يريد رؤية حجم الكارثة المحيقة بفقراء سورية الذين يتزايد عددهم باستمرار، وتزداد أوضاعهم تردياً يوماً بعد يوم. وربما ما يمكن استنتاجه من مقولته تلك أنه لا يدرك الوضع الكارثي للمؤسسات التعليمية في البلاد، كما أنه لا يدرك أهمية مادة المازوت بالنسبة لفقراء هذا الوطن، كما أنه لا يدرك أخيراً أن مقارنة من هذا النوع، وبسبب سياسات الحكومة الاقتصادية والتعليمية، ستفضي إلى انتصار ساحق لمصلحة المازوت.
وتؤكد الوقائع أن المستوى التعليمي لم يعد هاجساً حقيقياً بالنسبة لفقراء البلاد، وهذا ليس ناجماً عن جهلهم دون شك، ولكنه ناجم عن تدني مستوى المؤسسات التعليمية، وتحول الدروس الخصوصية باهظة الثمن إلى شرط من شروط النجاح، وبالتالي فإن هذه القناعات المؤقتة لدى الفقراء هي نتيجة مباشرة للعدد الهائل من الخريجين الجامعيين (من أبنائهم) العاطلين عن العمل، والذين لم تسعفهم شهاداتهم الجامعية بتجاوز خط الفقر الذي تعلموا أصلاً لكي ينجحوا في تجاوزه. وزاد في حجم المشكلة تحول الجامعة إلى هدف بعيد المنال بالنسبة لعدد كبير من السوريين كنتيجة للسياسة التي أبدعها أحد العباقرة المعاصرين في تحويل الجامعة إلى حلم.
أما بالنسبة لمادة المازوت، فإنها مادة أساسية بالنسبة لأغلب الأسر الفقيرة، ففضلاً عن أنها مصدر الدفء الأساسي في الشتاء، فإنها تشكل الركيزة الأساسية لمصدر دخل آلاف الأسر السورية، ولا شك فإن المواطن البسيط قد يقدم تنازلات فيما يتعلق بتعليم أبنائه، ولكنه ليس قادراً على المساومة عندما يتعلق الأمر بدفئهم، أو قوتهم اليومي.
عندما ينهمك المواطن العادي في دوامة العمل اليومي المفرغة، باحثاً عن رغيف الخبز. وعندما يصبح التعليم عن عمد، باهظ الكلفة قليل المردود، فلا شك أن الحلم الأساسي لهذا المواطن البسيط سيكون شتاءً دافئاً وفير المؤونة، وسيصبح المستوى التعليمي الرفيع رفاهية قليلة الأهمية بالنسبة له. أما عندما يرتفع مستوى معيشة المواطن، وعندما يصبح رغيف الخبز ودفء الشتاء تحصيل حاصل بالنسبة له، ومكسباً محققاً دون عناء بوصفه الحد الأدنى من حقوقه كمواطن وإنسان، فإنه سيتجه إلى العمل على رفع مستوى أبنائه التعليمي، بل وسيساهم في رفع مستوى المؤسسات التعليمية في البلاد بما يحقق ديمقراطية تعليم حقيقية على كل الأراضي السورية.
حضرة النائب الاقتصادي، إن أقصى أحلام فقراء هذا الوطن أن يستيقظوا ذات صباح ليروا قراراً حكومياً واحداً يصب في مصلحتهم، التي هي مصلحة سورية كلها، بوصفهم الشريحة الأوسع والأكثر قدرة على الإنتاج والعطاء. أما الاستمرار في تجاهل مصالحهم وفي العمل على إفقارهم، فإنه سيترك جروحاً عميقة في نسيج المجتمع السوري، ولا شك في أن البلاد كلها ستدفع ثمن هذه الجروح عاجلاً أم آجلاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 413