هل يعيش المتقاعدون؟ معجزة البقاء مع 3000 ليرة سورية

زارني قبل أيام صديق لي يسكن في إحدى ضواحي دمشق وهو مواطن من بلد شقيق واخذ يشكو غلاء المعيشة وقال لي أن مصروفه الشهري يتجاوز ثلاثين ألف ليرة سورية وهو بالكاد يعيش حياة عادية رغم انه لا يدفع من هذا المبلغ أجرة سكن وخلال النقاش معه سألني صديقي باستغراب: ترى كيف يعيش المواطن السوري الذي يبلغ دخله 3000 ليرة سورية أي عشر المبلغ الذي يحتاجه الإنسان ليعيش حياة معقولة .

هذا السؤال أثارني وجعلني أخرج إلى الشارع وبعض المقاهي الشعبية الرخيصة التي يرتادها شريحة كبيرة من المتقاعدين الذين تتراوح رواتبهم أو معاشهم التقاعدي بين2500ــ3500 ليرة سورية لأتساءل كيف يعيش هؤلاء حقاً في ظل متطلبات الحياة الكثيرة وهذا الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء. وخرجت من لقاءاتي وأنا أنظر إلى مستقبلي كمتقاعد –الذي هو مستقبلنا جميعاًــ برعب شديد.  

الأستاذ محمد: عمل في الإعلام السوري خمسين عاماً والآن يتقاضى راتباً تقاعدياً من نقابة الصحفيين مقداره 3400 ليرة سورية بعد الزيادة الأخيرة وهو مريض ويحتاج إلى أدوية وطبابة ومتطلبات صحية تزيد عن عشرة آلاف ليرة سورية شهريا .

أصبحت مشرداً لا متقاعداً

الياس قضى عمره في مؤسسة الإسكان العسكرية يقول "بهذا الراتب التقاعدي أصبحت مشرداً لا متقاعداً فكيف لرجل مثلي وفي هذا العمر أن يعتاش من هذا الفتات إذا لم أجد عملاً على وجه السرعة سأصبح على قارعة الطريق "

أميمة تقاعدت بعد أن كانت تعمل في مديرية التربية بعد أن بلغت سن الستين تتقاضى الآن راتبا تقاعدياً لا يتجاوز 2600 ليرة سورية وهي تعيل والدتها واثنين من إخوتها.

فهل يكفي هذا الراتب التعاقدي ليرقع شقيقها حذاءه المهترئ؟

أبو زياد قضى أجمل سنوات عمره متنقلا بين محافظات القطر بحكم وظيفته ولديه من الأولاد دزينة بلغ الآن سن السبعين وعلى جبهته ترى تعب هذه السنين كلها يتقاضى معاشاً تقاعدياً لا يكفي ثمن أدويته ولولا تكاتف العائلة ورعايتهم لبعضهم لكانت الأمور وصلت إلى درجة كبيرة من السوء.

الباركنسون مرض المتقاعدين

وليس الشبان

فراس كان يعمل موظفاً مدنياً لدى إحدى المؤسسات العسكرية ويمارس مهنة المحاسبة معاشه التقاعدي لايتجاوز3000 ليرة سورية، وهو مصاب بمرض الباركنسون والمعروف بأن الأدوية الخاصة بهذا المرض غالية جدا فهناك مثلا دواء واحد يزيد ثمنه عن 12000 ليرة سورية مؤلف من 100حبة وهو يحتاج إلى حبة ونصف كل يوم فتصوروا كم يحتاج في الشهر ناهيك عن متطلبات الحياة الأخرى من رعاية صحية كاملة ومستمرة ومن مأكل وملبس ومشرب.

مشافي الدولة لم تعد مجانية

أبو هاني "أنا استغرب إلى الآن لم يشعروا بأحوالنا. خاصة نحن فئات وشرائح الرواتب الصغيرة التي حتى لو شملتها الزيادات الأخيرة ستبقى ضعيفة، وأكاد أجزم بأنك سوف لن تحظى بمتقاعد لا يشكو من القلة وخاصة في موضوع الرعاية الصحية وسمعت مؤخراً بأن مشافي الدولة لم تعد تقدم الرعاية المجانية ونحن المتقاعدين أمام خيارين إما أن نجد عملا إضافياً وسوف لن نحظى غالبا بعمل جيد أو نبقى تحت رحمة وسقف هذا الراتب أو المعاش الذي لا يعيش أي فرد منا "

السيد فؤاد "أريد أن اسأل هل فكر احد المسؤولين بشعورنا نحن المتقاعدين وأن يعيش ويقتات على 3000 ليرة سورية لمدة شهر كامل، هكذا حال عشرات الألوف من المتقاعدين مثلي سيواجهون الأمرين في الاستمرار في هذه الحياة، لاسيما المتقاعد الذي لم يجد من يسانده من الأهل والأقارب "

لاهثين باحثين عن عمل جديد

كمال عمل مدرسا في مدارس الوطن ومعاهده لأكثر من خمسة وعشرين عاماً وتقاعد براتب لا يتجاوز 4000 ليرة سورية «يجب تحسين أوضاع المتقاعد والأخذ بتجارب الدول الأخرى وهذا ليس عيباًُ ففي الدول المتطورة يتفرغ المتقاعد لحياته الشخصية ورعاية الأحفاد والتسلية والسياحة الداخلية والخارجية مع تأمين ورعاية صحية كاملة لطول العمر، وهذا رد للجميل لمن أفنى عمره في خدمة الوطن أي المتقاعد معزز مكرم من قبل الدولة أما نحن وبعد هذا العمر نخرج لاهثين باحثين عن عمل جديد، ونبدأ برحلة أخرى في هذا العمر ومكره أخوك لا بطل وبرأيي لسنا فقط بحاجة إلى راتب جيد لتحسين أوضاعنا إنما نحتاج إلى جميع أنواع الرعاية وهذا يرفع من معنوياتنا الضعيفة حاليا».

حرمان من الطبابة المجانية

وما حصل معي في مشفى الأسد الجامعي عندما طلبوا مني 75000 ليرة سورية لقاء إجراء عملية جعلني على يقين بأننا نحن المتقاعدين بحاجة إلى طبابة مجانية مدى الحياة وإلا ستكون الأمور سيئة جدا "

أبو ماهر موظف سابق في وزارة الاتصالات يقول "تقاعدت براتب معقول نسبيا ورغم ذلك بقيت أبحث عن فرصة عمل حتى وجدتها علماً أنني عملت في خدمة الدولة ثلاثين عاماً دون كلل، لكن ليس باليد حيلة وعلى ما يبدو هذا هو مصير جميع المتقاعدين، أي العمل مجدداً لأن المعاش التقاعدي لا يسد الرمق ولكن ما يزعجني فعلا هو كيف يتم أخذ المال منا عندما نتداوى في المشافي الحكومية التي يجب أن تكون مجانية كما هو في جميع دول العالم، كان عندنا مشافي حكومية وطبابة مجانية منذ خمسينيات القرن المنصرم فلماذا يتم حرمان الفقراء، ومنهم نحن هذه الشريحة الواسعة من المتقاعدين من هذا المكسب المهم "

إن هذا الإنسان الذي أفنى حياته في خدمة الدولة أليس صعبا عليه بعد هذا العمر المديد أن يبحث عن عمل من جديد قد يكون غير لائق ليؤمن من خلاله دخلاً إضافياً يكفيه لحاجياته الأساسية ومتطلبات الحياة .

لذا من المفيد دراسة احتياجات المتقاعدين الفعلية من سكن وغذاء وطبابة أي الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة بما يكون دليلاً مادياً على الشعور بالامتنان لما قدمه هذا المتقاعد للوطن. إن هذا لن يدفع المتقاعدين للبحث عن عمل فور تقاعدهم وهو الأمر الطبيعي. إذ لا يندرج ضمن مفهوم التقاعد وطنياً وعالمياً البحث عن عمل جديد، وربما كان الحل العملي الأمثل للمشاكل الصحية التي يعاني منها المتقاعدون هو الطبابة المجانية الكاملة والجديرة بشيخوختهم مع العناية الخاصة ببعض الأمراض المنتشرة قي هذا السن أو تلك عالية التكلفة العلاجية والدوائية.

ويحضرني قول إحدى السيدات المتقاعدات التي قالت: اللهم بهدلهم في شيخوختهم كما بهدلونا في شيخوختنا.

■ ابراهيم نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
228