مطلع الشهر ستُكافأ الحكومة على عجزها من جيب المواطن!
خلال أيام فقط، وتحديداً في 1/12/2016، ستتوقف العديد من الهواتف النقالة عن العمل في حال لم يقم أصحابها بـ «المصالحة» عليها بموجب قرار من «الهئية الناظمة للاتصالات» صدر بعد مضي 16 عاماً على دخول هذه التقنية إلى سورية، قَيمّه البعض على أنه «بوابة نهب وابتزاز جديدة للمواطن من قبل الحكومة وشركات الاتصالات».
وعلى أثره ستبدأ معاناة المواطنين عبر تقطع الاتصالات فيما بينهم، وخاصة تلك الشريحة التي يعتبر الجهاز النقال بالنسبة إليها وسيلة من وسائل الإنتاج، الحرفيون الصغار وأصحاب الورش المتنقلة، الذين يعملون بناءً على اتصال.
أين كانت الجمارك؟
«كان يجب على الحكومة، أن تجد حلاً لضبط التهريب، ليس عبر الحدود المفتوحة، بل على الأقل عبر الحدود الإدارية للمحافظات التي تقع تحت سيطرتها» بحسب ما أكده البعض لـ «قاسيون» مشيرين إلى أن «القرار جاء ليثبت عجز الحكومة في مكافحة ظاهرة التهريب، من خلال ابتداعها قرارات غير منصفة بحق المستهلكين الذين سيدفعون من جيوبهم 10800 ليرة سورية كجائزة للجهات العاجزة».
هذا المبلغ، سيقسم على عدة أطراف هي: وزارة المالية، والجمارك، وشركتي الاتصالات الوحيدتين «سيرياتيل» و«أم تي إن»، بينما لن يحصل المواطن على أي تعويض لضرره من حصوله على هاتف دخل السوق وعرض للبيع علناً دون أي تصرف من الجمارك أو سواها، على الأقل في السوق المخصص لبيع هذه الهواتف وهو «برج دمشق» الذي يعج بالمهربات دون أية مساءلة سابقة أو لاحقة، ناهيك عن الكثير من البسطات المنتشرة عارضة أنواع عديدة من تلك الأجهزة المهربة.
وحرص الحكومة على أن يقتني المواطن جهاز نقال بمواصفة وجودة جيدة، ومصدر معروف، غير مقنعة عبر هذا الأسلوب من الابتزاز المشرعن بفرض رسم تعريف ومصالحة وإلا فيقطع الاتصال، فيما التهريب ما زال قائماً، كما مازال القائمون عليه والمستفيدون منه من كبار التجار والسماسرة والفاسدين مستمرون بعملهم على قدم وساق، بإغراق الأسواق بهذه الأنواع من الأجهزة.
قطع أوصال!؟
بموجب قرار «الهيئة الناظمة للاتصالات»، يُبرأ المهرب والمروج والجهة الحكومية المقصرة، ويُجرّم المواطن لحيازته هاتفاً جوالاً ويفرض عليه تحمل تبعات ماجرى، وبالتأكيد، سيعجز البعض عن «المصالحة» وخاصة من هم في مناطق صعب الوصول إليها أو خارجة عن سيطرة الحكومة، وبالتالي ستخرج تلك المناطق نهائياً عن نطاق الاتصالات الخلوية.
وأيضاً، وجد البعض في عدم تقسيم المبلغ المتوجب دفعه إلى شرائح بحسب نوع الهاتف وسعره، شيء من «قصر النظر» في القرار، «فمنظور المساواة الذي تروج له الحكومة، مجحف بحق الكثيرين، كونه لايجوز مساواة الهواتف باهظة الثمن مع الهواتف الزهيدة، بالقيمة الضريبة ذاتها التي تساوي الـ 10800 ليرة، أي حوالي نصف سعر هاتف بمواصفات متدنية نسبياً، بينما قد تكون غير كافية لشراء اكسسوار هاتف فخم لدى البعض، وفقاً لحديث المستطلعة آراءهم.
بكل عرس قرص
أحد المواطنين قال: «فهمنا الحكومة بدها ضريبتها، بس شو دخل شركات الخليوي حتى ندفعلهم ضريبة كمان، الله لا يشبعهم ما بيكفي الخدمات السيئة، ولا بكل عرس لازم يكون في إلهم قرص»!.
حيث ادعى القرار بأن الـ 800 ليرة، التي هي جزء من مبلغ «المصالحة» المزعومة، هو من نصيب شركات الخليوي المشغلة والعاملة لقاء خدماتها، وكأن هذه الشركات لا تستنزف المواطن والدولة عبر هذه الخدمات أصلاً بموجب عقود الاحتكار المبرمة معها، ناهيك عن أن خدماتها غالباً ما تكون منقوصة، اعتباراً من تقطع الاتصالات، وصولاً لنوعية تقانات هذا الاتصال المعتمدة من قبلها، والتي أصبحت من الأجيال المتخلفة بهذا الميدان التقني، ناهيك عن المبالغ المقتطعة لقاء كل خدمة أو ميزة.
بدنا الرسم مع الهدية
جزء هام من الأجهزة الخليوية المستهدفة بالمصالحة عبر القرار أعلاه كانت قد أصبحت بين أيدي المواطنين كهدية من أقربائهم ومعارفهم بالخارج، وهؤلاء غالباً لا يستطيعون تكبد دفع مبلغ المصالحة المذكور، فوجبة طعام بالنسبة إليهم أهم على مستوى المعيشة من الاتصال.
إحدى السيدات قالت: «موبايلي أجاني هدية من أختي بالإمارات، مشان أحكي وأتواصل معها، لأن ما معي أشتري، وهلأ عم يحكو أنو بدي أدفع مصاري مشان ما يقطعو الاتصال، شو يعني خبر أختي تكمل معروفها وتبعتلي المصاري لأن ما معي هيك مبلغ، والله بستحي»!.
بالإجبار
ولن يكون هناك أي خيار أمام أصحاب الأجهزة المعنية بالقرار سوى دفع المبلغ المطلوب، وإلا سيتم توقيف عملها، وبهذه الآلية لن تخسر الوزارة شيئاً ولن تربح شيئاً، فالهاتف سيبقى موجوداً في البلاد، بينما سيعود الضرر على صاحب الهاتف لفقدان الجدوى من استخدامه على مستوى الاتصال، وهنا كانت الكثير من الأصوات تطالب بعدم تطبيق القرار على أي هاتف يعمل حالياً على الخطوط السورية، وبدء تطبيقه مع بداية العام القادم على الأجهزة التي تدخل على الشبكة بعد هذا التاريخ.
وقد قال أحد المواطنين: «ما ح ادفع ولا ح صالح، وخلي الجهاز بشتغل عليه واتس وفيس، وبلا هالاتصال، أصلاً عم نستغني عنو أول بأول».
بوابة للنصب والاحتيال
من جهة أخرى، وعدا عن حجم الأموال التي ستحصلها خزينة الحكومة وشركتي «ام تي ان» و«سيرياتيل» من هذه الضريبة دون مبرر مقنع، فقد فتح القرار باباً جديداً للاستغلال من قبل بعض التجار، حيث قال مصدر في وزارة الاتصالات لـ «قاسيون» إن «كثيراً من الشكاوى ترد إلى الوزارة عن تبعات القرار، لانتشار محتالين من باعة الأجهزة الجوالة يقومون بإيهام الزبون على أن التصريح عن الأجهزة يعتمد نظام الشرائح، التي ترتفع قيمتها مع قيمة الجهاز».
وأشار إلى أن «إحدى الشكاوي تؤكد حصول بائع على مبلغ 150 دولار مقابل التصريح عن هاتف آيفون»، علماً أن هواتف آيفون وخاصة النسخة الأخيرة، دخلت جميعها إلى سورية عبر التهريب، حيث لاتستوردها أي شركة معروفة.
رواج المستعمل
بدورهم، أكد بعض باعة الهواتف الذكية في برج دمشق وسط العاصمة، أن حركة البيع انخفضت بنسبة كبيرة بعد صدور القرار، وبالعكس، زادت عروض بيع الأجهزة المستعملة علينا، من قبل الزبائن غير القادرين على دفع مبلغ «المصالحة»، وفي الوقت ذاته زاد إقبال الراغبين بشراء هواتف، على القطع المستعملة في سوق المستعمل كونها أرخص ثمناً وجرى تعريفها مسبقاً على شبكات الاتصالات مجاناً قبل القرار.
ووفقاً لتقارير متقاطعة، فإنه يدخل يومياً إلى دمشق، نحو 100 جهاز مهرّب، وتتراوح كلفة إدخالها إلى السوق بين 5 و10 دولارات للجهاز.
ويشار إلى أن الجهاز الذي لم يدخل عبر القنوات النظامية، سيتم اكتشافه عند وضع الشريحة فيه، وسترسل رسالة إلى صاحب الشريحة بضرورة التصريح عنه خلال فترة سماح معينة، وإلا فسيتم منع الجهاز من العمل بعد انقضاء فترة السماح، وهذه المدة الزمنية محددة بثلاثين يوماً بموجب قرار صادر عن وزير الاتصالات والتقانة رئيس مجلس مفوضي الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، وسوف يعاد النظر فيها لاحقاً في ضوء نتائج التطبيق، وفقاً لتصريحات الوزارة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 786