زهير مشعان زهير مشعان

احتجاج المجانين..وشباك الحرية..!

فاجأني في الحارة أحد الذين كُنّا نظن أنهم مجانين، متسائلاً:
أراك تحمل الجريدة دائماً وأنتم تكتبون في قاسيون عن مجانين عامودا فقط .. وكأن سورية بطولها وعرضها ليس فيها مجانين غيرهم.. وحتى لو اعترفتم أن هناك مجانين في مناطق أخرى.. يا أخي: هل مجانين عامودا على رأسهم ريشة.. ما احنا ولاد حارة وحدة..؟
أفحمني قبل أن أتكلم فقلت له: معك حقّ..وهذه حكمة..

فرد عليّ بسخريةٍ: أنت تعتقد أنني مجنون.. وكلامك يوحي بذلك أي: خذ الحكمة من أفواه المجانين..!
فقلت في نفسي: الهجوم خير وسيلةٍ للدفاع فوجهت له السؤال التالي: هل الحكمة محصورةً بأحدٍ..هذا أولاً. وثانياً: هذا يجب أن يكون فخراً للمجانين لأن حكمتهم لا تنافق المسؤولين ولا ترضخ للمتنفذين..!؟
فقبلها مني وهدأ وقال: أنتم تعتقدون أنّ المجنون هو أشعث الشعر ورثّ الملابس ويمشي في الشارع ويكلم نفسه فقط.. وهذا ينطبق أيضاً على الفقراء وهم بمئات الآلاف.. لكن هناك مئاتٌ من المجانين وربما آلاف ممن يلبس طقماً وكرافتةً أو يضع على رأسه عمامةً.. ومنهم من يضع نظارةً سوداء ليخفي عينيه، وهؤلاء منهم المدير ومنهم المسؤول والوزير..و.. فقاطعته وقلت له:
توقف يا صديقي قبل أن تتابع. كيف نميزالمجنون من العاقل بهذه الحالة.. حيرتني ولا تجنني معك، فلم أعد أعرف حتى أن أصنف نفسي..؟
 فأجابني ضاحكاً: المجنون يا صاحِ هو من يظنّ الآخرين مجانين وهو العاقل الوحيد..أو من يدّعي أنه عاقلٌ ويعتقد أنّ الآخرين كلهم مجانين هو المجنون..
أمّا المجنون االحقيقي فهو الذي يقول الحقيقة.. وبهذا هو العاقل، ولكن المثل يقول: إذا جنّ ربعك عقلك لن ينفعك..!
قلت له: لخبطتني يا عزيزي هذه فلسفة..المهم اذكر لي بعض حالات الجنون التي تعرفها. فأجابني بهدوءٍ، عُدّ معي :
الحكومة تكذب على الشعب وتمارس ما يمارسه التجار من رفع الأسعار.. ووزير يخالف القانون..
وأجهزة القمع والفساد تمارس أبشع الممارسات وتظن أن القمع واستمرار التوتر هو الذي يحميها ويمنع محاسبتها..
والتجار شركاء قوى القمع والفساد أصبحوا منفلتين ويريدون بيع حتى الوطن..
والشباب الذين ماتوا ويموتون بالآلاف.. وهناك من يموت ألف موتة باليوم..
 شي يضع العقل بالكف.. مجنون يحكي وعاقل يسمع روحو عنّا يا.. واتركونا بحالنا بلا عقل أحسن.. وتركني واجماً وراح يمشي ويغني:
جنني.. جنني هوا الشباك.. ورحت دون أن أنتبه لنفسي أردد اللحن: جنني.. جنني..هوا الشباك..!
 
• جنني هوا الشبك أغنية شعبية فراتية