الثلج يمتحن المدينة

فرحة أن يتساقط الثلج فترتدي المدينة ثوب زفافها. فرحة أن تجود السماء فتمتلئ السدود. فرحة أن تنام المدينة متوسدة أحلامها الثلجية، ثم تستيقظ فترى البياض طاول كل شيء. فرحة أن يغسل الثلج التلوث عن جبين السماء، ويمسح بدموعه وجه الأرصفة. فرحة أن يلعب الأطفال بالثلج وينصبوا التماثيل.

فمرحباً بالثلج وحمداً لكرم السماء.

لكن الفرحة لم تكتمل، فقد أدخل الثلج مؤسسات المدينة في امتحان ثلجي ليوم واحد. فما هي نتيجة الامتحان؟

 ارتفع التوتر الكهربائي في أحياء من المدينة، فخرب عدداً من الأدوات الكهربائية، وانخفض في أحياء أخرى فخرب عدداً آخر. ودخلت المدينة والمؤسسات والدوائر الرسمية والمدارس في سبات عميق.

تقطعت أشجار الكينا وشاركت الثلج في امتحان مؤسسة الكهرباء والهاتف والدوائر الرسمية الأخرى. لا أدري من استبدل الكينا بالأكاسيا والسرو والصنوبر، ولاسيما في شوارع المدينة، فتسربت جذورها إلى قساطل الصرف الصحي، وعانقت قساطل المياه، وخربت الأرصفة، والتفت فروعها  حول أسلاك الكهرباء.

لقد اشتركت شجرة الكينا الخبيثة بامتحان المدينة، فاستلقت أغصانها فوق الثلج، بعدما قطعت أسلاك الكهرباء والهاتف، ومنعت حركة الناس الذين انخرطوا في سباق لتأمين حاجاتهم الضرورية، لاسيما الخبز، وسجل لمخابر الدولة الاستمرار في عملها إذ عوضت عن موقف معظم المخابز الخاصة.

وبدل أن تستنفر البلدية والمكتب التنفيذي الورش وعمال التنظيفات وعناصر الصيانة، غابت مع المؤسسات، فقد داهمها العجز والتقصير. فكيف توقفت معظم الدوائر الرسمية عن تقديم الخدمات لسكان المدينة؟ ناهيك عن التقيد بالدوام الرسمي.

في صباح يوم الأحد 15/2 توقفت الحركة في المدينة، وبعض الباصات غادرت كراج 

البولمان منطلقة إلى دمشق في الساعة 7.30 وصلتها في الساعة 12.30 ظهراً، لم تبهر عيون المسافرين دورية مرور واحدة، ولا دورية نجدة ولا سيارة إسعاف وبالتأكيد ولا حوامة تراقب الحركة على هذا الطريق وهو من الدرجة الأولى.

والباصات التي انطلقت مساءً من دمشق باتجاه حلب في الساعة /7/ وصلت حمص بحمده تعالى في الساعة /1/ بعد منتصف الليل، أي استغرقت الرحلة 6 ساعات بالكمال والتمام. اشتبك طريق العودة من دمشق إلى حمص بمن سار عليه بعكس الاتجاه، ومن كان يقصد دمشق فاجأته السيارات التي تسير أيضاً بعكس الاتجاه، وبين «القسطل والنبك» توقفت وتعطلت مئات الشاحنات والباصات والسيارات الأخرى قرابة 4 ساعات.

أما حركة المطار.. فالطائرة السورية التي غادرت جدة في الساعة 3.30 بعد الظهر عوضاً عن الساعة 12 ظهراً نظراً لتأخرها في الوصول إلى جدة وصلت إلى دمشق في الساعة 5.30 عوضاً عن وصولها المقرر هو 2.30 ظهراً.

مرحباً بالثلج، حمداً للسماء على كرمها، لكن الثلج امتحن المؤسسات والدوائر الرسمية، وعرضنا جميعاً لامتحان صعب فسقطت مؤسساتنا بالامتحان.

ماذا لو تعرضت مدينتا الغالية ووطننا الحبيب إلى امتحان ثلجي لعدة أيام أو أسابيع... لم يعد الصمت ممكناً.. لم يعد الصمت موقفاً.

حمص 16/2/2004

 

■ عبد الحفيظ الحافظ