(دف الشوك) ودرجات المواطنة!
لمنطقة دف الشوك حكايتها الخاصة مع الخدمات العامة تشابه حكاية مثيلاتها من المناطق العشوائية التي تقع على تخوم العاصمة وتحيط بها من الجهات كلها، شارع صغير لا يتجاوز عرضه 6 أمتار فقط كانت كافية، لأن تصبح المنطقة تحت رحمة خدمات الريف وما أدراك ما خدمات الريف؟.
تكمن المشكلة التي تواجه سكان منطقة دف الشوك بأنهم يعانون من سوء الخدمات العامة هناك، وبشكل خاص الكهرباء، فساعات التقنين الطويلة وفق النظام المعمول فيه في الأرياف ( 4 بـ 2) والتي تصبح في الأوقات التي تشتكي فيه الحكومة من عدم توفر مادة الفيول (5 بـ1) مما جعل المعيشة أكثر صعوبة وتعقيداً، فلا الأعمال المنزلية يمكن تأديتها، مثل: الغسيل الذي يستغرق ثلاثة أيام أحيانا، ولا دراسة الأولاد تصبح ممكنة، فالبطاريات غير قادرة على العطاء في ظل الشحن القليل، ناهيك عن البراد الذي أصبح مجرد خزانة مطبخ، أو بأحسن الأحوال (نملية) تعود بالعائلات هناك لحقبة الخمسنيات والستينيات.
تقنين على التقنين؟!
لا تنتهي مشكلة الكهرباء هنا فالأعطال بالجملة، خزان هنا وعلبة هناك، والطوارئ تدعي العجز التام عن إصلاحات جذرية فإمكانيات الخزانات والمعدات والقواطع أقل من الحمولة المرتفعة التي تزداد في ذروة الاستهلاك صيفاً وشتاءً، ونادراً ما يكون الانقطاع وفق ساعات التقنين المقيت، ولم تجدِ محاولات الأهالي المتكررة مع المؤسسة والوزارة بعشرات الشكاوى، ولم تفلح اتصالاتهم بالإذاعة كلما اشتدت الأعطال أو ساعات التقنين وأما الإجراء الذي اتبعه البعض لتفادي انعدام الكهرباء بشرائهم للبطاريات الكبيرة و(الانفرترات) فقد تحملوا نفقات كبيرة، اتضح بأنها غير ذات قيمة أمام ساعات الشحن التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 6 ساعات متقطعة و(مخصورة).
(شم و لا تدوق)
من سوء حظ الأهالي في هذه المنطقة، الواسعة والمكتظة بالسكان وبكثافة عالية جداً، أن منطقتهم تنفرد بمصيبة التقنين كريف وليس كمدينة، فحي الزهور الملاصق والمتداخل معها، والذي يفصل بينهما شارع لا يصل عرضه لأكثر من ستة أمتار، يخضع لنظام تقنين المدينة، وكذلك حي التضامن المتشابك مع المنطقة، مما ولد شعوراً إضافياً بالقهر لدى سكان دف الشوك، مستغربين هذا التمييز بالخدمات بشكل عام والكهرباء بشكل خاص، بين حيهم والأحياء الأخرى، والحجة (التي يراها المسؤولون منطقية) أن دف الشوك تتبع إداريا للريف وبالتالي خدماتها (ريفية الهوى) والأحياء الملاصقة تتبع للمدينة وخدماتها مدنية.
(ريف بخدمات مدينة) هذا مطلبنا!
رغم وجود مساحة معينة ضمن منطقة دف الشوك تتبع إداريا للمدينة، لدرجة أن بعض البيوت والأبنية الطابقية بنيت على أرض تعود تبعيتها الإدارية مناصفة بين المدينة والرف، فإن أهالي الحي لا يطالبون بتغير انتمائهم الإداري، بل يطالبون بتقديم خدمات مساوية للأحياء التي تحيط بهم من كهرباء والخدمات العامة الأخرى كافة، خاصة بأن هذا التمييز غير المفهوم وغير المبرر بين هذه الأحياء المتلاصقة جعل الشبكة العامة تتعرض لتعديات كبيرة، فمن أراد كهرباء المدينة وجد نفسه متورطاً بمد كبل خاص به من شبكة المدينة مما عرض الخطوط والخزانات لأعطال كثيرة ودورية لن تنتهي إلا بانتهاء هذا التمييز الخدماتي.
(خيار وفقوس)
ليست مفهومة جملة القوانين والأعراف المتعلقة بالتمييز ما بين خدمات مدينة دمشق وريفها، والمستغرب حقيقة هي: الفكرة بحد ذاتها ومبرراتها السطحية، فإن كان المنطلق الاختلاف الفني والنوعي بين المحطات المولدة للكهرباء فيمكن تعديله، وأما إن كان من حجم الاستهلاك نظراً لاختلاف المساحة فبناء واحد في تنظيم كفرسوسة مثلاً يستهلك كهرباء بمقدار حارتين أو ثلاثة في إحدى العشوائيات، ويمكن كذلك رفع قدرة المحطات المغذية للريف، ولا يخفى على أحد أهمية الكهرباء للزراعة من أجل سحب المياه من الآبار والزراعة في الريف.
وليس سراً أن أغلب الصناعات، إن لم نقل كلها، تتمركز في الريف ولا صناعة بلا كهرباء، فلا ندري سبب هذا الغضب الحكومي على الريف ومواطنيه، أم أن إنارة المحلات التجارية والمولات والمطاعم وأحياء (الأكابر) في وسط العاصمة أهم من حاجة العائلات القابعة في الريف للكهرباء من أجل حياتهم اليومية وأعمالهم التي يعتاشون منها.
التمييز بالخدمات مخالف للدستور
إن التمييز في تقديم الخدمات للمواطنين يعني تصنيفهم ضمن درجات، وهذا بحد ذاته تشويه لمفهوم المواطنة التي تعني أن الجميع متساوون بالحقوق والواجبات، فالمواطنة هي المواطنة ولا درجات لها!، وعليه، فإن أية إجراءات تقوم بها الحكومة يُخلّ في هذا المفهوم، هي مخالفة للدستور السوري، ومن هنا لا بد من العمل على الأقل، وفق المقولة القائلة (عدالة في التوزيع وعدالة في الحرمان) فهل وصلت الرسالة؟.