«بهدلة» على الطرقات

«بهدلة» على الطرقات

أزمة النقل داخل العاصمة، وفيما بينها وبين الريف القريب والبعيد، تتفاقم يوماً بعد آخر، ومع تفاقمها تتزايد معاناة المواطنين، التي من المتوقع أن ترتفع مع دخول فصل الشتاء.

 

المشاهدات اليومية للازدحام، وخاصة بساعات الذروة صباحأ ومساءً، لم تعد خافية على أحد من المسؤولين عن واقع النقل، (المحافظة- النقل الداخلي- المرور- وزارة النقل) وغيرها، وتحديداً في مراكز الانطلاق وبدايات ونهايات خطوط النقل، والسبب المباشر هو قلة وسائل النقل العاملة على الخطوط، وعدم تناسبها مع واقع ازدياد الطلب على الخدمة.

أوجه عدة للمعاناة

الضغط الكبير على وسائل النقل صباحاً، يؤدي إلى تأخر وصول الموظفين والطلاب إلى أماكن عملهم ودراستهم بالمواعيد المحددة، بالإضافة إلى تأخر شرائح أخرى من المواطنين عن إنجاز أعمالهم، سواء ما يتعلق منها بمراجعة الجهات العامة، أو القيام بمهامهم الخاصة.

أما في المساء، يصبح هذا الضغط أشد وطأة على المواطنين، وخاصة على خطوط النقل إلى المناطق التي يتوقف إليها النقل عند ساعات المساء الأولى، ما يؤدي إلى تقطع سبل عودة البعض إلى مكان إقامته وسكنه، أو الاضطرار لاستخدام سيارات التكسي، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرصة الاستغلالية التي ينتهزها أصحاب هذه السيارات على مستوى الأجور من حساب المواطنين.

بالاضافة إلى ما يتعرض له هؤلاء جميعاً، من مضايقات بنتيجة شدة الازدحام بساعات الذروة، صباحاً ومساءً، والتي تصل أحياناً لحدود الإصابات نتيجة التدافع، أو المشاجرات التي تنجم عن ذلك في بعض الأحيان، ناهيك عما يتعرض له البعض من سرقات لمحافظهم وأشيائهم الأخرى بنتيجته، حيث أصبحت ساعات الذروة تلك أكثر استغلالاً من قبل ضعاف النفوس من النشالين المنتشرين على خطوط النقل، ومراكز الانطلاق الرئيسية، والذين يزدادون احترافاً وتشابكاً بعملهم يوماً بعد آخر.

ومع إضافة المعاناة المزمنة من أجور النقل المرتفعة،التي أصبحت عبئاً يثقل كاهل المواطن على مستوى معيشته، بظل تدهور الواقع الاقتصادي المعاشي عموماً، مع عامل الزمن المهدور على الطرقات، تصبح مشكلة النقل وتداعياتها أزمة، مضافة إلى أزمات المواطنين الحياتية اليومية، حيث أصبحت يوميات المواطن مقسمة بين «البهدلة» على الطرقات، والنهب والاستغلال عبر الأسواق، والتسول للخدمات.

ذرائع عديدة والأزمة قائمة

على الرغم من صحة الذرائع التي يقدمها بعض المسؤولين حول واقع سوء خدمة النقل وأسبابها، من عدم تقيد بعض السرافيس، أو بامتناعهم عن استكمال خطوط نقلهم الكاملة، والاكتفاء بمنتصف الخط، من أجل جني المزيد من الأرباح، أو بأن بعضهم يتعاقد على نقل بعض الطلاب مع بداية الموسم المدرسي، وغيرها من الذرائع الأخرى، ولكن ذلك لا ينفي مسؤولية الجهات العامة عن واقع الأزمة، خاصة وأنهم شَرّعوا للشركات الخاصة الأبواب على مصراعيها، للدخول بحيز الاستثمار، بهذا القطاع الخدمي، مع الكثير من المزايا والإعفاءات، بحجة تأمين النقل وتيسيره على المواطنين، على حساب النقل الداخلي العام، ومع ذلك لم تحل مشكلة النقل، بل تتفاقم وتتزايد.

بالنتيجة، يتضح بأن الإجراءات المتخذة لحل مشكلة النقل، تحت شعارات الخصخصة والتشاركية، وانكفاء النقل العام عن دوره بهذا المجال، لم تكن على المستوى المطلوب، كما لم تف بالنتيجة المطلوبة منها، بل زادت منها حتى غدت أزمة يعاني منها المواطنون يومياً، وخاصة بظل تزايد تعداد المقيمين في العاصمة وفي الريف الآمن، بفعل موجات النزوح خلال سنين الحرب والأزمة.

إعادة الاعتبار للنقل العام

هذه الأزمة ليست مقتصرة على دمشق وريفها فقط، بل أن الكثير من المحافظات تعاني من الأزمة نفسها، على مستوى النقل الداخلي فيها وبين أريافها، ومعاناة المواطنين عموماً تتزايد يوماً بعد آخر.

وباعتبار بأنها أزمة عامة، ومسؤولية النقل هي مسؤولية عامة، فمن الأولى أن يعاد الإعتبار للنقل العام، المتمثل بالشركة العامة للنقل الداخلي، عبر تخليصها من صعوباتها وأزماتها، وتطوير إمكاناتها، من أجل تغطية النقص الحاصل بوسائل النقل العاملة على خطوط النقل كافة، والضغط الناجم عن ذلك بسببه، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إعادة دراسة الحركة المرورية داخل المدن، عبر إعادة فتح بعض الطرقات، وإعادة النظر بتموضع بعض الحواجز المنتشرة عليها، بما يؤمن مرونة الحركة المرورية عليها، وبالتالي سرعة النقل والانتقال، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ مشاريع حيوية استراتيجية على هذا المستوى من أجل حلّ هذه المشكلة بشكل نهائي.

وبهذا الصدد، نذكر بما تم تداوله مطلع العام الجاري من تصريحات حول ما سمي بمشروع نقل الضواحي، الذي كان من المفترض الاقلاع به من قبل الخط الحديدي الحجازي، وغيره من المشاريع الكثيرة التي أعلن عنها بفترات سابقة على مستوى النقل والمواصلات الطرقية، والتي لم ترَ النور حتى تاريخه.