المهندس السوري وتبعات الأزمة

المهندس السوري وتبعات الأزمة

تشكل شريحة المهندسين السوريين باختصاصات، المدني والمعماري والكهرباء والميكانيك، أصحاب المكاتب الهندسية الخاصة، في نقابة المهندسين السوريين، الكادر الفني العامل على دراسة وتنفيذ معظم المشاريع العامة والخاصة في الوطن.

فهؤلاء يخططون المدن والبلدات والقرى على مستوى المحافظة، وفق دراسات علمية خاضعة لتدقيق نقابة المهندسين السوريين في مختلف فروعها بالمحافظات.

مصادر الدخل

دَخْلُ هذه الشريحة يتم عن طريق الصندوق المشترك في النقابة، والذي عائداته تكون من رسوم الترخيص والتصديق للمخططات والمشاريع المذكورة.

قبل بداية الأزمة، أي حتى نهاية العام 2010 وصل متوسط الدخل السنوي للمهندس آنذاك في بعض المحافظات إلى مبلغ 700000- 800000 ليرة سورية سنوياً من عائدات الصندوق المشترك، مما كان يؤمن له مستوى من المعيشة يليق بمهنة المهندس إلى حد ما.

وفَوْر دخول الأزمة، تراجع  وسطي هذا الدخل إلى حدود  120000 ليرة سورية من الصندوق المشترك سنوياً، حيث توقفت مجمل أعمال الترخيص والتصديق وعمليات البناء العامة والخاصة في سورية بشكل عام، وفي المناطق الساخنة بشكل خاص.

أسباب تراجع الدخل

مبررات هذا التراجع في العمل، هي: توقف المواطنين عن المغامرة بتنفيذ وترخيص هذه المنشآت، خوفاً من الدمار والحرب، إضافة إلى الغلاء الفاحش في كلفة مواد البناء، وتنفيذ المشاريع، وأجور اليد العاملة، وعدم توفرها في معظم الأحيان، إضافة إلى الفوضى التي لحقت بأعمال مجالس البلديات والمدن بعدم إمكانية متابعة المخالفات في البناء في مناطقها، لعدم القدرة على المحاسبة وملاحقة المخالفين وتغطيتهم بالرشوة والفساد، مما أدى إلى تراجع الأعمال النظامية في البناء والمنشآت والمشاريع العامة والخاصة بنسبة 80-90% عما كانت عليه قبل الازمة.

خروج من دائرة الإنتاج

هذا الواقع المر انعكس بشكل سلبي وواضح على شريحة المهندسين العاملين في مكاتبهم الخاصة، في الكثير من المحافظات، حيث تراجع مستوى دخلهم الشهري بالنسبة نفسها أي 80-90% من دخلهم قبل الأزمة، وهذا الحال أدى إلى خروج النسبة العظمى منهم خارج دائرة العمل والإنتاج، وأصبحوا رافداً قوياً لشريحة العاطلين عن العمل في الوطن، مما اضطر البعض منهم إلى البحث عن فرص عمل أخرى تختلف نوعياً عن اختصاصاتهم ومهنهم الحقيقية.

 وتحول البعض الآخر مضطراً إلى ممارسة بعض الأعمال المختلفة الأخرى، من أجل تحقيق جزء من النفقات المفروضة عليه، كالمصروف اليومي أو تعليم أبنائه في المدارس والجامعات.. إلخ، بالإضافة إلى إقدام العديد من هؤلاء المهندسين إلى تقديم استقالاتهم وإغلاق مكاتبهم، من أجل الحصول على راتبهم التقاعدي الهزيل، الذي لا يتجاوز 25000 ليرة سورية، لمن أكمل سن التقاعد، علّ هذا الراتب يسد جزءاً من رمق أسرته ومعيشتهم مستسلماً لمقولة (الرمد أشوى من العمى).

دور نقابة المهندسين

من المفروض في ظل الحالة الناشئة ان تقوم نقابة المهندسين، بما يمكن القيام به للتخفيف من تأثيرات الأزمة على المهندس السوري  وخصوصاً إيقاف تدهور الحال المعيشي لهذه الشريحة، فلا رفع أسعار ورسوم التصديق للمخططات يفيد، لإحجام المواطنين عن تصديق المخططات، أو حتى الإقدام على بناء منازل جديدة بسبب أهوال الحرب، ولم تحاول النقابة اعتماد أية طريقة أو أسلوب لمساعدة المهندسين.

حيث كانت المحاولة الوحيدة واليتيمة بمنح قرض للمهندس بقيمة 50 ألف ليرة سورية لا غير، تستردها خلال عام بشكل شهري عام 2014.

مطالب تقتضي

 المسؤولية والجرأة

لا شك أن الأزمة في سورية طالت شرائح الشعب السوري جميعها، وخاصة على مستوى المعيشة والدخل، وشريحة المهندسين كانت من المتضررين بشكل كبير على أثرها.

والمطلوب من نقابتهم العمل على إيجاد الحلول اللازمة لهم، ولو بشكل جزئي كحد أدنى، حفاظاً على كرامة العيش لهم ولعائلاتهم، وتفادياً لعواقب وخيمة قد يصلون إليها، من خلال شعور البعض منهم بالعجز عن تأمين لقمة العيش، ينعكس على أدائهم في العمل حالياً ومستقبلاً، وعلى التزامهم بقوانين هذه النقابة.  

إن هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن، تقتضي من أصحاب القرار اتخاذ القرارات الجريئة، ومحاولة تغيير وتعديل بعض القوانين البالية، والتفكير بإيجاد الحلول المناسبة لهذه الشريحة من المهندسين، بما يتلاءم مع الظروف القاسية التي يمرون بها، خاصة وأن هذه النقابة هي إحدى المنظمات المهنية التي تعمل في كنف الدولة، ومهمتها الأساسية تنظيم مزاولة مهنة الهندسة في القطر، ورعاية مصالح أعضائها جميعهم.

اقتراح عملي

وبالتالي، فإنه من واجب النقابة أن تسعى لدى الحكومة، من أجل أن تمارس دورها على مستوى رعاية هذه الشريحة من المهندسين، وأن تضغط من أجل أن تأخذ المبادرة على هذا الجانب، من حيث إمكانية توفير التمويل اللازم للصناديق الخاصة بالنقابة، بالتنسيق والتعاون فيما بينهما، على شكل قروض دون فائدة، مثلاً، كي تقوم بمهامها على مستوى تأمين مستوى العيش الكريم لهذه الشريحة، وفق الاقتراح سابق الذكر، المتمثل بأجر شهري مقبول للمتضررين من هذه الشريحة، والمتوقفين عن العمل حالياً، كي لا تقع الصناديق بالعجز، على أن يتم الاسترداد لاحقاً من ريعية المشاريع القادمة على مستوى إعادة الإعمار، حيث من المفروض أن يكون للنقابة دور رئيسي، على هذا الجانب العمراني الكبير القادم، فهو يعتبر جزءاً من مهامها ودورها، بما في ذلك من ريعية سيتم تحقيقها لمصلحة الصناديق آنفة الذكر، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية ميسرة لتسديد أي قرض يمكن أن تحتاجه هذه النقابة، والأخذ بعين الاعتبار أن هذه المشاريع تحتاج إلى خبرة هذه الشريحة من المهندسين ومعارفها وعلومها، وبالتالي فإن الحفاظ عليها يعتبر من الضرورات الوطنية الملحة.

ولعل هذا الاقتراح يصب بهذا الاتجاه، لما فيه من مصالح مشتركة، للمهندسين كما لنقابتهم، بالإضافة للحكومة ودورها الآني والمستقبلي.