دردشات: بتاع كلو
في عهد طغيان عبد الحميد السراج، انطلق أديب معروف من دمشق متنكباً مشقات السفر بالباصات القديمة، في طريقه إلى إحدى المحافظات النائية ـ لنفرضها دير الزور ـ مدينة المجاهد الوطني الكبير رمضان شلاش، ومدينة المناضل الإنساني الدكتور ثابت العزاوي، ليلقي محاضرة في مركزها الثقافي، كلفه بها اتحاد الكتاب العرب.
قاعة المركز غصت بالحاضرين، وقبل دقائق من بدء المحاضرة، دخل عنصر من المباحث غرفة الإدارة، وحيا المدير وضيفه ثم قال:
■ نحن مسرورون لنشاط مركزكم، وحضور الأستاذ الذي يشرف بلدنا، يؤكد ذلك.
■■ شكراً أستاذ، هذا من لطفكم.
■ توجه العنصر إلى الأديب:
أستاذ هل تسمحون بتبسيط محتوى محاضرتكم؟!
■■ تكرم... وببضع جمل لخص المحاضرة وقال له:
شرفونا بحضوركم..
■ طبعاً سأحضر، لكن أتسمح لي بالإطلاع على المحاضرة قبل إلقائها؟! رد الأديب باستغراب:
■■ لماذا؟!
■ هذا جزء من عملنا..
■■ وبأية صفة تطلب مني ذلك؟!
■ بصفة رجل مباحث..
■■ وما علاقة الفكر بجهاز المباحث؟!
■ بسلامة فهمكم.. هل الدنيا سائبة حتى يتكلم كل حسب هواه دون حسيب أو رقيب؟!
■■ رد المحاضر بانزعاج وجرأة:
أرفض إطلاعك عليها، لأن في ذلك إهانة لحرية الفكر ولي، توجد قوانين رادعة بهذا الخصوص تحاسب المخالف.
■ وأنا متمسك بواجبي الذي كلفني به معلمي..
■■ إذن؟!
■ لا نقاش في الأمر.
■■ رد الأديب بتحد دفاعاً عن حرية الفكر وشرف الكلمة:
وأنا لا يشرفني أن أحاضر في بلد يقوم فيه الفكر والأدب من قبل المباحث.
جمع أوراقه ودسها في محفظته، وتوجه إلى الكاراج عائداً إلى دمشق، وهو يردد بانفعال ـ وكانت قد درجت أنئذ استعمال كلمات مصرية في لهجتنا:
«والله كويس المباحث نسيوا مهماتهم الحقيقية، وصايرين بتاع كلو، قيمين حتى على شؤون الأدب والفكر»؟!
■ عبدي يوسف عابد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.