فساد شركة الحاويات الدولية.. هل هذا مفاجئ؟

إن الدرس المستفاد من الأزمة المالية العالمية، هو العودة إلى دور الدولة في الحياة الاقتصادية، بعد أن أثبتت الأزمة أن كبار الرأسماليين في العالم أقزام أمام دور الدولة، وخير مثال على ذلك أنه عندما انهارت شركة «جنرال موتورز» طالبت بعودتها إلى أحضان الدولة لحمايتها، ونحن في سورية نشهد تراجعاً كبيراً في دور الدولة، وإن من يدعو لإبعاد تدخل الدولة عن الشأن الاقتصادي، تحت أي عنوان، إنما يدعو للفوضى المقوننة التي تنتعش في مناخها المضاربات وينتشر فيها الفساد والرشوة، في غياب سلطة الدولة.

استثمار وبيع

بتاريخ 1/10/2009 بدأت شركة الحاويات الدولية (شركة CMA، وCGM مع ائتلاف شركة سورية القابضة) عملها في محطة مرفأ اللاذقية، وبعد تجربة /20/ يوماً على بدء العمل، قال رئيس اتحاد عمال اللاذقية علي داوود في مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال: «هناك تعثر وتأخر في تفريغ البواخر، وهناك بواخر هربت من مرفأ اللاذقية إلى مرفأ طرطوس، الكوادر الفنية في شركة مرفأ اللاذقية الذين خسرت الدولة عليهم مبالغ كبيرة للتأهيل انتقلوا إلى الشركة الفرنسية، وهناك مشاكل وعقبات في التفريغ والتحميل وقد امتدت السيارات إلى شوارع المدينة، وهناك /418/ عاملاً انتقلوا من شركة المرفأ إلى الشركة الفرنسية وحتى الآن لم يجدوا الآلية القانونية لتأمين حقوقهم، وقد ابتدعت الشركة الفرنسية نموذج عقد عمل لا يخدم حقوق العمال ومصالحهم، وقد ألغي. أما بالنسبة للوكالات الملاحية الخاصة لم نر  خلال سنوات أي خط جديد، وإنما سحبت الوكالات الخاصة الخطوط من شركة الدولة وهذا خسارة لخزينة الدولة. ففي عام 2002 وقبل السماح للوكالات الخاصة بالعمل، حققت الشركة العامة للتوكيلات ربحاً قدره /648.5/ مليون ليرة سورية، وفي عام 2006 بعد دخول الوكالات الخاصة كان ربح الشركة /197/ مليوناً فقط، وهنا يتبين حجم الخسارة دون تطوير أو تحديث».
رئيس اتحاد عمال طرطوس علي معلا قال أيضاً أمام مجلس الاتحاد: «الاستثمار في محطة الحاويات في مرفأ طرطوس لم يتوصل إلى الخطط والطموحات، وكان المخطط /60/ ألف حاوية، بينما وصل المنفّذ والمفرغ /27/ ألف حاوية فقط، وفي العام الثاني كان المخطط /120/ ألف حاوية، فوصل المنفّذ والمفرغ /50/ ألف حاوية فقط، بالرغم من الآليات والتسهيلات التي وضعت.

من هي الشركة الفرنسية:
تقول المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت والصحف المصرية واللبنانية وصحف أوربية عديدة المعلومات التالية: «السوري جاك سعادة رئيس مجلس إدارة شركة CMA COMSA الفرنسية ولها فروع في دول العالم.
«دمياط غيت» هي واحدة من قضايا الفساد الكبرى التي شغلت الرأي العام المصري والعربي والدولي، ويبدو أننا في سورية لم نسمع بها، القضية أدت للاستيلاء على أموال مرفأ دمياط للحاويات في مصر من قبل جاك سعادة والمدير العام فريد توفيق سالم، وفي التفاصيل أنه جرى تزوير عقد اتفاق بين شركة دمياط لإدارة الحاويات المصرية، وهي مؤسسة حكومية ويرأسها علي مسعد أو «البيه» اللقب الحركي له، المسجون حالياً. وهذا الملف الذي تنظر فيه نيابة أمن الدولة العليا تقدر قيمة التلاعب فيه بعشرين مليون دولار. والقضاء المصري أصدر أمراً باعتقال جاك سعادة.

غش وخداع

وفي لبنان تقدمت شركة ميسترال هولدنغ ش.م.ل بدعوى ضد جاك سعادة تهدف لإبطال عقد الصلح تاريخ 16/9/2000 لأسباب عديدة منها الخداع الذي تضمنه العقد وتقديم ميزانيات مغشوشة تظهر الواقع الحقيقي لمقدرات شركة CMA COMSA، وفي سورية لا تزال الدعوى قائمة ضد جاك سعادة من قبل شقيقه جوني أمام الهيئة العليا لمحكمة النقض على خلفية قيام جاك سعادة بالاشتراك مع المحامي اللبناني شكري أسعد الخوري بتزوير محضر قرعة قسمة بناء في اللاذقية الذي خول جاك سعادة الاستفادة من البناء على حساب شقيقه جوني. والقضاء منع تنفيذ القسمة وتحولت الدعوى إلى جزائية.
وفي مصر تطورت القضية حيث قامت وزارات العدل والخارجية الأمريكية والبريطانية بإجراء تحقيقات من جانب كل منهما للاشتباه بوجود عمليات تتعدى موضوع الرشوة والاستيلاء على الأموال العامة. وقد ذكرت صحيفة عالم المشاهير المصرية: «إنه يمكن لجاك سعادة أن يكون بريئاً من تهمة الرشوة والاستيلاء على المال العام، كون المبالغ الكبيرة التي دفعت كرشاوى لا يمكن أن يدفعها الموظفون البسطاء».

وفي فرنسا فإن الملاحقات القضائية أصبحت تلتف على جاك سعادة من كل صوب. ووفقاً للصحف الفرنسية فهناك تحقيقات جديدة ضد جاك سعادة أمرت بها النيابة الفرنسية وتم تعيين قاضي تحقيق لهذا الملف بناء على شكوى مقدمة ضده من شركة ميسترال هولدنغ، مع اتخاذ صفة الادعاء المدني بموضوع تقديم ميزانيات مغلوطة وتقديرات متدنية لموجودات شركة COM وتقييم مغشوش بالتواطؤ مع مدققي الحسابات. وقد تدخلت شركة ميسترال هولدنغ أمام محكمة جنايات مصر للإبقاء على توقيف مدير شركة دمياط للحاويات.
هذا يتقاطع مع عمليات تهريب الأموال من الشركات المختلفة إلى حساب جاك سعادة الخاص، ومنها شركتا «س.أم.أي» انترناشيونال وكونتيز مانجمنت أوفيسرز، بهدف زوال الأدلة التي تدينه، إلا أن الاعتراضات التي قدمت أوقفت التصفية.
بغض النظر عن مدى مصداقية هذه المعلومات أو عدم مصداقيتها فإن هذه القضايا تناولتها صحف مصر ولبنان وصحف أوربية عديدة، وهنا نسأل سؤالاً بريئاً: «هل اطّلع الفريق الاقتصادي الحكومي على واقع الشركة الفرنسية وأعمالها؟ وعلى التهم التي توجه إلى صاحبها جاك سعادة قبل توقيع عقد الاستثمار؟!»
ونسأل أيضاً: «هل اطلع مدير عام المرفأ على نشاطات الشركة الفرنسية وعلى التهم الموجهة لها في بلدان عديدة؟! نسأل ذلك لأن مدير عام مرفأ اللاذقية يبشرنا منذ أكثر من عام بالتطوير والتحديث الذي سوف يجري في المرفأ، ويقول في تصريحاته العديدة إن المشروع يتعلق بإدارة تشغيل محطة حاويات اللاذقية مقابل المشاركة في الإيرادات، وإن مضمون المذكرة لا يعتبر عقد استثمار أو امتيازاً، لأن شركة المرفأ ستبقى الجهة المخولة بالإشراف على عمل الشركة المشغلة، والقيام بوضع التعرفة وتحصيل الإيرادات الناتجة عن عمل المحطة، مع التزام الائتلاف بتشغيل /400/ عامل من عمال مرفأ اللاذقية، لتشكل نسبة العمالة الوطنية /90%/ من مجموع العمال، وترتفع إنتاجية الحاويات من /580/ ألف حاوية إلى مليون حاوية في السنوات الثلاث المقبلة.

الإيرادات فقط؟!!!

إذاً المشاركة في الإيرادات فقط، ومنح الشركة الفرنسية الإدارة كما يقول المدير الحالي، وهنا نسأل: كيف يمكن أن تكون هناك إدارة للشركة وإدارة سورية لشركة المرفأ؟ وتشغيل /400/ عامل هم أنفسهم عمال المرفأ؟ ولكن الشركة الفرنسية وقعت عقوداً جديدة معهم، ويبدو أنها وقعت عقداً جديداً مع مدير المرفأ.

المضحك المبكي

في كل الأحوال الطاقة الاستيعابية للمرفأ /800/ ألف حاوية وفق ساحاته وأرصفته الحالية، ووصل إنتاج المرفأ السنوي حتى الآن إلى /580/ ألف حاوية، ومخطط له من قبل إدارته قبل توقيع العقد أن يصل إلى الـ800 ألف حاوية، والمطلوب في العقد أن يصل عدد الحاويات إلى مليون حاوية. بالتأكيد المرفأ سوف يصل إلى هذا الرقم في العام القادم لأن عدد الحاويات يرتفع بين شهر وآخر. الشركة الفرنسية سوف ترفع سعر تبادل البضائع، وبالتالي رفع جميع الأسعار. والشركة سوف تأخذ نسبة الأرباح من الرقم الذي وصلت إليه شركة مرفأ اللاذقية، وليس فقط من نسبة الزيادة في عدد الحاويات بعد توقيع العقد، والسؤال أيضاً: لماذا قُدِّم المرفأ للمستثمر لقمة سائغة بعد أن وصلت الآليات الحديثة وثمنها /2.400/ مليار ل.س وهي من أرباح المرفأ؟!
وللعلم لم يؤمم مرفأ اللاذقية بعد 8 آذار 1963 بل جرى تأميم المرفأ في العام 1954 بعد الإضراب العمالي الكبير لعمال مرفأ اللاذقية الذين كانوا يطالبون بحقوقهم المغتصبة من أصحاب رؤوس الأموال بالمرفأ. وكان المطلب العمالي آنذاك تأميم شركة مرفأ اللاذقية، وقد استجاب البرلمان السوري لهذا المطلب. واتخذ قراراً بالتأميم بالتعاون بين الكتل النيابية الثلاث: البعثيين والشيوعيين وكتلة خالد العظم، وإن تقديم المرفأ بهذه الطريقة هو انتهاك للدستور السوري ومبادئ حزب البعث.
 
الشركة السورية الفيليبينية في طرطوس
JICJ شركة سورية ذات سجل تجاري رقم /14897/ وتُدار كشركة سورية تماماً، بموجب قانون الاستثمار رقم /10/، وفي الشركة /6/ مديرين أجانب من جنسيات مختلفة، وعدد من الخبراء العاملين في سورية، وتم توظيف عدد من المدراء السوريين وسوف يصل عدد الموظفين إلى /150/ موظفاً. أما ICCSJ فهي في مانيلا الفيليبين، وتعد مشغلاً رئيسياً في مجال التطوير والإدارة وتشغيل مرافئ الحاويات والمحطات العالمية. ومن المتوقع حسب الشركة الفيليبينية زيادة عدد الحاويات عبر مرفأ طرطوس من الآن وحتى عام 2016 موعد انتهاء عقد الامتياز إلى /300/ ألف حاوية سنوياً، وأن يصل العدد إلى /500/ ألف حاوية عام 2016، فهل نلحق الـ.....؟!