من أجل قانون أحزاب عصري
وتحت عنوان: «من أجل قانون أحزاب عصري»، تتابع «قاسيون» هذا الملف مع المهندسة لمى عبد الغني قنوت ـ عضو المكتب السياسي لحركة الاشتراكيين العرب:
الديمقراطية هي النجاح في القضاء على الفساد وعدم سيطرة النظرة الأحادية العقائدية والتمسك بهويتنا وأصالتنا
حول ضرورة إصدار قانون للأحزاب والانتخابات العامة
إن قطرنا العربي السوري، ومعه كل الأقطار العربية، مازال بحاجة إلى فعل الكثير الكثير حتى يرتقي بمواطنه إلى المستوى الأعلى من درجات الوعي وتحمل المسؤولية، حيث باتت الأجيال الجديدة تعيش حالة المجتمع الاستهلاكي وروح الاتكالية واقتناص الفرص المهيأة على أساس الوساطة أوالمعرفة أوالنفوذ وهو ما شكل خطراً كبيراً على مرتسحات المستقبل. فالمعركة مع العدو سواء كانت سلماً أم حرباً ( وهو مانعيش مقدماتها حالياً) لا يمكن أن تكون بنت ساعتها و لاهي حكر على صُناع القرار أو نشطاء السياسة، فهي تتطلب الإعداد الشعبي العام، الطويل والصبور، العميق والديمقراطي، الشامل والمخلص، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري، وهي بهذا المعنى تعني زيادة فاعلية الشعب واستعداده للسير إلى آخر الشوط مهما كانت التضحيات على طريق أمة تريد أن تأخذ مكانها بين أمم العالم، وبالمقابل فإن خطوة البدء يجب أن تنطلق من حب الشعب والثقة الكاملة بطاقاته والاهتمام بمستوى معيشته وكرامته، والاعتناء بكل لحظة من لحظات حياته وبالتفاعل الجاري والخطاب المتبادل بين مختلف شرائحه وقواه الوطنية المخلصة وصولاً إلى وحدة وطنية عميقة ومتجذرة.
إننا نرى في مروحة التحالفات المعقدة داخل جبهة أعدائنا التاريخيين وخاصة في أزمان شدتهم ما يحرضنا على تعلم الدرس البليغ. فإسرائيل تتنادى عندكل نائبة ويختلط فيها الأشكنازي مع السفاردي دون تمييز وعند كل منعطف خطر تتسع دائرة المسؤولية والرأي والمشورة إلى درجة تتطلب فيها العودة إلى الشعب وإشراكه في تلك المسؤوليات المصيرية.
لذا فإننا مع المفهوم المتجدد لبناء جبهتنا الداخلية حيث نفهم أن الديمقراطية هي النجاح في القضاء على الفساد، وعدم سيطرة النظرة الأحادية العقائدية والتمسك بهويتنا وأصالتنا، كما أنها النقد البناء والواعي وهي الإسهام في تصويب ما اعوج من حياتنا ومسالكنا، فنحن مع الديمقراطية الذاهبة إلى أن الشعب هو السيد وأن الديمقراطية هي التمثيل الأشمل والحقيقي لمصالح شعبنا وزيادة لحمته الوطنية وعلى انتصار افكار الحداثة والتجديد والإصلاح ومحاربة الفساد ووقف الهدر للمال العام ودعم مؤسسة القضاء وتطويرها واستقلاليتها وتطبيق مبدأ سيادة القانون وإلغاء المحاكم الاستثنائية وكذلك القوانين الاستثنائية.
وهذا العمل الشاق والوطني يستدعي منا أن نغرس في قلوب وعقول رفاقنا وأصدقائنا وجماهيرنا الاحترام الكامل للرأي الآخر واعتماد أسلوب الحوار السياسي في بناء وتعزيز صرح الديمقراطية الحقة التي لا تسقط في الإرهاب والدكتاتورية، لأن كل ديمقراطية لا تنطلق من برامج إعداد ذاتية للأحزاب والحركات والقوى ولا يكون في صدور منتسبيها احترام آراء ومواقف الآخرين هي ديمقراطية سطحية ومزيفة وسوف تسقط سريعاً، وهذا يتطلب منا جميعاً الاعتراف بوجود الآخرين وحقهم في ممارسة دورهم وعدم اعتبارهم عقبة في طريق الوحدة الوطنية. فالتعددية السياسية والحزبية حقيقة واقعية لايمكن لأحد نكرانها أو القفز فوقها وهو ما أكدته الحركة التصحيحية منذ قيامها باعترافها بالوجود السياسي للآخرين بقصد تحقيق حالة وطنية سياسية تعيد الثقة المفقودة بين أحزابها وتنشط الحياة السياسية، مع التسليم دائماً بوجود الخطأ والصواب في أفعالنا وسلوكنا وخطابنا السياسي، فهذه سُنة الحياة، وإن مداواة هذه الأخطاء ومعالجة التقصير والتقوقع والتشرذم لا يكون إلا بالمزيد من الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي، وتحديد أين أصبنا وأين أخفقنا، مع التأكيد مجدداً بأن قوة الحركات الوطنية هي في وحدتها وتعاونها وتفاعلها ضمن إطار من التعددية السياسية والحزبية وليس بانقسامها وتشرذمها أو السعي من أجل ذلك أو تشجيعه ومباركته وكذلك التعامل مع الأحزاب والحركات السياسية كمؤسسات شرعية تمثلها قيادات منتخبة وفقاً للقانون والأنظمة الداخلية لها، وليس كأفراد أومجموعات،و هذا يقع على عاتق الأحزاب من جهة وعلى قيادة الجبهة والسلطة السياسية ايضاً ولضمان تحقيق هذه الحالة الوطينة فإن هذا يستدعي العديد من الإجراءات والتدابير التي تدعم ذلك كإصدار قانون للأحزاب يضمن حريتها في إصدار صحافتها وفتح مقراتها وممارستها لدورها ضمن إطار من الشرعية الدستورية والقانونية كونه لا يوجد قانون للأحزاب في سورية منذ نصف قرن تقريباً وكذلك العمل على وضع قانون عصري جديد للانتخابات العامة ينسجم مع هذا الهدف ومع شعارات التجديد والحداثة والإصلاح والتطوير والشفافية التي يرفع راياتها الرئيس بشار الأسد.
إذن فالحاجة ملحة جداً إلى إصدار قانون جديد للأحزاب يحدد القواعد والضوابط والأسس القانونية لنشوئها وعملها واستمراريتها….. تحت مظلة الدستور والقانون وبصورة مشروعة وعلنية، كما يبين فيه كيفية الترخيص للاحزاب وآلية تحملها وتعاملها مع بعضها وتعامل السلطات معها والرقابة القانونية والمالية على ذمتها المالية ومصادر تمويلها وكيفية التعامل معها كشخصيات اعتبارية لها ممثلوها القانونيون الشرعيون وكيفية تملكها للعقارات والمنقولات وكيفية التصرف بها كشخصية اعتبارية وليس كأفراد واستقلال ذمتها المالية عن ذمة أعضائها وممثليها على الرغم من صدور قرار سياسي يسمح لأحزاب الجبهة بإصدار صحافتها الخاصة وفتح مقراتها لأن هذا الاعتراف السياسي يستدعي أن يواكبه نص قانوني يضفي مشروعية دستورية وقانونية على وجود تلك الأحزاب ويحدد فيه ممثليها القانونيين بصفتها شخصية اعتبارية لها مؤسساتها وذمتها المالية المستقلة عن ذمة ممثليها وأملاكهم الخاصة.
إن هذا الأمر يستدعي منا جميعاً المشاركة في حوار ديمقراطي واسع حوله قبل عرضه وإقراره من السلطات المعنية بالأمر وجعله قانوناً لاسيما أن هذا الموضوع مرتبط جوهرياُ بقانون الانتخابات العامة والذي هو بحاجة حقيقية للمراجعة والتطوير والتحديث على ضوء تجاربنا السابقة بدءاً من المراجعة الشاملة لقاعدة اعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة وما يعنيه هذا عملياً من انعدام روح المنافسة والرغبة الجدية والحقيقية في المشاركة بالعملية الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً وتصويتاً إلى وجوب العمل بقاعدة النسبية في حساب الأصوات التي يحصل عليها المرشحون كأحزاب وكأفراد وضرورة اعتمادها في النتائج النهائية وتوزيع المقاعد على ضوئها ضمن أسس وشرائط ونسب معينة يجب أن تحصل عليها القوائم الحزبية أوالإئتلافية أو الأفراد أيضاً كما هو معمول به بمختلف أنحاء العالم وكذلك تخصيص نسب معينة للنساء مع وضع الضمانات القانونية والعملية لمنح فرص متساوية للمرشحين للتعبير عن آرائهم وبرامجهم وخططهم ضمن مختلف وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري وبدون عوائق وضمن مظلة الشرعية الدستورية والقانونية المعمول بها أوالتي يجب العمل بها والاحتكام إليها.
إن انتصار أفكار الحداثة والتطوير ومحاربة الفساد والتسيب والنهب في مرافق الدولة وفرز وتصفية المنافقين والمنتفعين والطفيليين ومقتنصي الفرص والمناصب، والإصلاح الإداري والاقتصادي وتطبيق مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء بصورة صارمة ودقيقة والدفاع عن ثوابت الأمة والوطن وتحرير المحتل من اراضيها والحفاظ على سيادتها الوطنية وقرارها المستقل، تلك الأفكار والبرامج التي طرحها الرئيس بشار الأسد منذ بدء ولايته الدستورية تستدعي منا جميعاً أن نعمل معاً ونطور برامجنا وأساليبنا باتجاه العلم والحداثة والديمقراطية وحتى نضمن الانتقال إلى المرحلة الجديدة بطموحاتها الكبيرة وهذا لا يتم إلا بالحوار السياسي واحترام الرأي والرأي الآخر حتى نتمكن من بناء مؤسسات ديمقراطية تدعم وحدتنا الوطنية وفي هذا تأكيد جديد على ضرورة العمل على إصدار قانون الأحزاب والانتخابات العامة.