مرشحون في الظل، ومرشحون في إعلانات الطرقات /10424/ مرشحاً يتنافسون على 85 مقعداً

■ الحديث غائب عن ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار وتدني الأجور..

■ تلوث بصري، يعج بشوارع المدينة.

■ مسابقات للخط العربي تعلن بدء موسمها.

«انتخبوا مرشحكم ـ علم وعمل ـ معاً نكافح ـ  صوتكم الشاب ـ  بكالوريوس تجارة»... وعليكم أيها الشعب الغفير، أن تسارعوا وتنتخبوا، فالرجل يطلق برنامجه مهدداً إياكم بصيغة أمر واضحة: (انتخبوا) وقد ألصق ميم الجماعة بعبارته واثقاً من نفسه، أشد الثقة، فهو صاحب العلم الذي لا تعلمونه، ومن الأفضل لكم ألا تترددوا في اتخاذ قراراتكم بشأن من ستختارون، فنائبكم المقبل حائز على شهادة بكالوريوس في التجارة، ومن اللباقة أن تقولوا له: (أحسنت يا شطور)…

فاستعجلوا زيارة الخيمة البرلمانية، لتشهدوا برنامجاً انتخابياً قوامه سيف وترس، وعراضة شامية، وقوال وزجال، وعتابا وميجانا، تشهد بمزايا النائب المخلص، ومدى قدرته على إحياء التراث واستعادة الفلكلور.

و«مرشحكم» هذا، … بوقار في صدر الخيمة، ومن ثم يقوم بتثاقل ليصب القهوة المرة إلى زعامات العشائر ووجهاء الأحياء، مبتسماً لهذا وملوحاً لذاك.

ثم يشرع بالحديث عما سيقدمه لناخبيه في حال وصوله إلى المقعد الذهبي المأمول تحت قبة البرلمان مستفيضاً في الشرح وإطلاق الوعود، بينما تقرع  الطبول و المزامير خارج مضافة مجلس الشورى، لتعلن عن بدء عرض البرنامج الانتخابي تحت شعار «يا صلاتك يا محمد»…

ولا يخجل مرشح الشعب العتيد، من أن تعبير «تكريس الوحدة الوطنية» وما إلى ذلك من مقولات وشعارات، لا يخجل من اعتبارها برنامجاً انتخابياً، ولولا الحياء لجعل نقل بورصة الوول ستريت إلى دمشق إحدى أولويات برنامجه، في حين يغيب حديث الأغلبية الساحقة من النواب، عن ارتفاع معدلات البطالة، ومعدلات التلوث البيئي، وغلاء الأسعار، وتدني الأجور، وصفقات الاتصالات، وعمليات الخصخصة، وتفشي الدعارة، من جداول النائب، الذي ينوب غالباً عن حفنة من تجار البلد، ورؤوس أموالها.

بينما يتبقى المرشحون القليلون في الظل، لا نسمع لهم صوتاً، ولاتسنح لهم فرصة الظهور والعبور، لطرح برامجهم، وذلك لأن (النائب السيئ يطرد النائب الجيد من التداول). ولابد أن يخضع جزء من العملية لقوى العرض والطلب.

■ قطار البرلمان الذي لا يتسع إلا لـ 250 راكباً، فمن الطبيعي والحال كذلك أن يبدو الصراع محتدماً بين المتنافسين الذين بلغ عددهم قرابة 10424 ولابد أن ينزل ركاب ليصعد غيرهم، إلا أن هناك ما يضاف إلى هذه الأرقام. فالمقاعد الأمامية التي يبلغ عددها 162 مقعداً هي من حصة الأحزاب المنضوية تحت لواء الجبهة الوطنية التقدمية، التي تسمى قائمتها قائمة الجبهة، تمييزاً لها عن المقاعد الأُخر، التي يشغلها مرشحون مستقلون يتنافسون على الـ 84 مقعداً المتبقية…

■ الحالة العامة التي تشهدها شوارع البلد، حالة ألف الناس اعتيادها مع قدوم موعد الدورات الانتخابية. فالأحياء والشوارع،والساحات الرئيسية تعج باللافتات والصور بأحجام ومقاسات مختلفة تشهد على أناقة المرشح القادم من الشرق، ليقلب الشرق غرباً، كما تشهد على وسامته ووقار هيبته، ودقة مهنية الحلاق الذي تولى صباغة شعره ولحيته وشواربه (هذا إن وجدوا) وقد لجأ أصحاب الجيوب المتخمة إلى وسائل إعلانية أرقى وأكثر كلفة مستخدمين الإعلانات الطرقية الملونة، التابعة لشركات الإعلان الكبيرة في البلد، ليزيدوا من تلوث المدينة تلوثاً آخر، ولكنه بصري هذه المرة.

وعلينا أن ننتخب نائباً بناء على مقاييس جماله، لتظهر النتائج معلنة عن اسم ملكة جمال البرلمان!!

■ الأول يحدق بنا بصلعته وبدلته، والآخر بكرشه الجامع المانع (جامع لأموال البلاد ومانع لإظهار أي تفاصيل إضافية يخفيها الكرش في تكوره)..

ولاغرابة في أن نرى مرشحاً شاباً بيلوغرافين، الأول بالكريستيان ديور والساعة الروليكس، والآخر بالقميص السبور، كيما يجمع المجد من أطرافه، مما يبرر تزايد معدل حوادث السير على طرقات دمشق في الآونة الأخيرة..

■ هنالك أيضاً من ساهم، نخوة منه، وكرماً من عنايته، في نشر إعلانات لبعض المرشحين التجار، مذيلاً الإعلان بعبارات لها مغزاها ومعناها:

«تقدمة من الحاج فلان الفلاني»، أو «تقدمة من شركة فلان» وحالما يتسلق النائب الحاج قبة البرلمان، وتعلن الجرائد الرسمية صعود أخينا بالله، يتوازن الطرف الآخر من معادلة (حكلي لحكلّك)، ويغدو البرلمان، تلك البقرة الحلوب، التي ستحلب للنائب، حصانة تحصن أمواله وشركاءه، وسيارة من إنتاج معمل مرسيدس، فينسى النائب (العمل على تكريس الوحدة الوطنية) وربما ينسى مواعيد جلسات مجلس الشعب كما يسمى في بلدنا.

■ كاميرا برنامج «الكلمة الحرة» وبالرغم من أن البرنامج لا يبث مباشرة، إلا أن لها أخطاءها التي لابد من التعليق عليها، وأنوه هنا بأن الخطأ الحاصل هو خطأ فني لا أقل ولا أكثر، فعمليات المنتجة تتم في استديوهات الإذاعة والتلفزيون  فما زالت تظهر الأكثرية الساحقة من النواب يفترشون المقعد البرلماني فراشاً، والسقف الفضي لحافاً، ويَغُطون في نوم عميق، لا يوقظهم منه سوى صوت رئيس  المجلس ضارباً بيده الحديدية على طاولة البرلمان، قائلاً: «إجماع المجلس»، وهذا خطأ إخراجي لا يمكن أن يغتفر، إضافة إلى أنه خطأ جمالي بالدرجة الأولى…

■ النواب في البرلمان يبصمون وينامون، ونحن في منازلنا ننتظر ونترقب، نترقب استيقاظ النائب عله يتحدث عن مشاكلنا.

ومع هذا علنيا أن ننتخب، وسننتخب سواء انتخبنا أم لم ننتخب:

■ ننتخب مرشحين لا نعرف ماضيهم وحاضرهم، ومستقبلنا معهم.

■ ننتخب مرشحين لانستطيع محاسبتهم على وعود لم يطلقوها.

■ ننتخب مرشحين لا نملك صلاحية حجب الثقة عنهم، بعد أن تنتهي صلاحيتنا.

■ ننتخب تجاراً ووكلاء، وأصحاب ثروات، يمصون دمنا ويتقيأون أصواتنا.

ويتبقى لنا قليل من المرشحين، لا يملكون أموالاً للدعاية ولا لشراء وكلاء صناديق، ولا لدفع رشاوى، ولاحتى لتصوير ورقة العمل التي بين أيديهم.

إذاً، انتخبوا أيها السادة، فعليكم أن تنتخبوا…

■ كمي الملحم

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.