يوسف البني يوسف البني

جريمة ذات دلالة خاصة في محافظة اللاذقية هل هناك من يحاول إحياء ظاهرة «التشبيح» من جديد؟

لم تكن الرشوة، أو نهب، أو هدر المال العام الظواهر الوحيدة التي نتجت عن الفساد الاقتصادي والإداري، والتي شجعتها ونمّتها وحمتها السياسات الاقتصادية المتبعة، بل عادت للظهور مجدداً أعراض مرض خطير يهدد حياة وأمن المواطنين، وهو ظاهرة التشبيح والاعتداء كيفياً على حريات وممتلكات الناس البسطاء، والذي عاد لممارسته أبناء وأقرباء بعض المسؤولين والمتنفذين في عدد من المحافظات مستقوين بمناصب آبائهم أو أقربائهم، أو تحت التهديد بالسطوة، وقوة السلاح أحياناً أخرى. والحقيقة أن محاولة البعض إحياء هذه الظاهرة الناشزة من جديد له مدلولات عميقة، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

وكانت «قاسيون» قد نشرت في أعداد سابقة بعض النماذج المتجددة من التشبيح والفساد الأخلاقي والاعتداءات اللامبررة في محافظة حمص وطرطوس وحلب وغيرها، ولكن الخطير اليوم أن الكثير من المؤشرات والدلائل تشير إلى توالد هذه الظاهرة في دمشق والرقة وبقية المحافظات، فقليلة هي الأيام التي لا نرى فيها مراهقاً أو ناضجاً مدعوماً يتطاول علناً على الفتيات في عرض الشارع، أو نجفل من سيارات حديثة وفخمة بزجاج أسود (فيميه) تشق الطرقات بسرعات جنونية، وتدب الرعب في صفوف المارة، أو نشاهد اعتداء حفنة من راكبي السيارات الحكومية الحديثة بالضرب على مواطن، فهذه المشاهد كفيلة بإثارة الكثير من الاحتقان الاجتماعي والقلق الدائم، ولن تؤدي في المحصلة فيما لو استمرت إلا إلى تفاقم الاستياء، ودَبِّ التفرقة والسخط والرعب بين مختلف شرائح المجتمع.

 

تشبيح.. قضية طازجة

نموذج سيئ من هذه الظاهرة هو ما حدث في محافظة اللاذقية الشهر الماضي، في منطقة برج القصب، فقد أفادنا بعض المواطنين الذين تم انتهاك حقوقهم، أنه جرى التجاوز على أملاكهم الخاصة، وتعرضوا لاعتداءات وصلت حد الجريمة، وقد أيد إفادتهم هذه أقوال الكثير من المواطنين الذين شهدوا الواقعة، وكل ذلك مقيد في محضر ضبط شرطة اللاذقية رقم 269 تاريخ 12/10/2009، حول التحقيق بالمشاجرة الواقعة بين أولاد المواطن محمد معروف وأولاد المدعو علي م. حول أرض زراعية، وتم فيها استخدام الأسلحة النارية وقتل على إثرها فراس محمد معروف، وأصيب شقيقاه وهيب وأيوب بجروح ناتجة عن طلقات نارية من مسدس حربي.

أجمعت أقوال المصابين والشهود المذكورة في الضبط أن المشكلة بدأت حوالي الساعة الحادية عشر تقريباً، أثناء عودة المواطن أيوب معروف من عمله في دمسرخو باتجاه منزله الكائن في قرية برج القصب، وأثناء مروره بالقرب من أرض عائلته الزراعية شاهد والدته المدعوة نديرة الشيخ مع مجموعة أشخاص ضمن أرضهم الزراعية، وكانت هناك آلية حفر ثقيلة (باكر) برفقة المدعو (نمير علي م.) وحوالي عشرة أشخاص من إتباعه، وكان الباكر يقوم بقلع أشجار الليمون والفواكه من أرض محمد معروف الذي يقوم باستثمارها منذ أكثر من خمسين عاماً، وهي بجانب أرض المدعو علي م. الذي يقوم ابنه بقطع الأشجار بقصد ضمها إلى أرضهم، كونها مسجلة أملاك دولة، ولم تسجل باسم شاغليها رغم استثمارهم لها لمدة خمسين عاماً.

حاول المواطنون فراس ووهيب وأيوب وحسن أبناء محمد معروف ووالدتهم منع الباكر من قلع الأشجار، وطلبوا من سائقه والمرافقين له الخروج من أرضهم، فأجرى المدعو نمير مكالمة هاتفية من جهازه الخلوي، وبعد حوالي عشر دقائق وصلت سيارتان إحداهما بيضاء بزجاج أسود (فيميه)، ونزل منها المدعو دريد م. شاهراً مسدساً حربياً، وبدأ بإطلاق النار على من يحاولون إخراج الباكر من أرضهم، وكذلك حذا حذوه مرافقوه في السيارتين، الذي أطلقوا عيارات نارية في الهواء لإرهاب الطرف الآخر، وسقط الأخوة الثلاثة فراس ووهيب وأيوب محمد معروف إثر إصابتهم بعيارات نارية، وقد توفي على إثرها المواطن فراس.. وحين سقوط الإخوة المزارعين متأثرين بجراحهم، لاذ مطلقو النار بالفرار. وقد أكد ضبط الشرطة وشهود الواقعة هذه الأحداث كما ذكرت تماماً.

وقد ذكر الضبط مفصلاً عن السيارة التي تم إطلاق النار منها، ورقم لوحتها، وعائديتها، وصدرت القرارات بتوقيف المدعوين دريد علي.م وغير علي.م لكنهما مازالا فارين من وجه العدالة..

 وهنا نتساءل لماذا لم يتم القبض عليها حتى الآن؟! هل الجهات الأمنية عاجزة عن تحديد مكانهما وملاحقتهما؟! أم أنهما اختفيا في غياهب الوجود؟! أم أن القانون لا يطالهما؟!!

 

المعتدى عليهم يتحدثون..

يتابع المعتدى عليهم عرض شكواهم فيقولون: «بعد استلام جثة المغدور فراس ودفنه، بدأت مراسم التعازي واستنكر الجريمة كل قريب وبعيد، وحتى الشخصيات الهامة وعضوَي مجلس الشعب زكريا سلواية وكمال سلامة اللذين ذهبا إلى الموقع ورأوا بأعينهم اقتلاع الأشجار والتخريب فاستنكروا ذلك أيضاً. وبدأ علي م. والد المعتدين بمنصبه المعروف، يبعث لنا برسائل للتفاوض أحياناً ومهدداً أحياناً أخرى لإسقاط حقنا وسحب الشكوى، وخاصة مع رجال الدين، والكثير من المقربين لنا، الذين قالوا إن علي م. كبير وكبير جداً، ولا أحد مثله، وإنه واصل في الدولة، فالأفضل أن نفاوض ونسلم بما يمليه علينا، أو لن نستفيد شيئاً، وقال حرفياً إنه رحى تدور ستطحن كل شيء. ووضع  لنا في كل مكان جاسوساً يراقب حركاتنا، من يأتي إلينا أو يذهب من عندنا».

من الذي خلق حالات الفساد والإرهاب والتشبيح هذه؟ ومن سمح لضعفاء النفوس بالاستقواء بمنصب؟ إنها حالة من حالات الفساد التي خلفتها السياسات الاقتصادية الفاسدة والمحابية للأقوياء، وإننا نطالب بمحاربة هذه الظاهرة ومعاقبة من يريد إعادة إحيائها، واجتثاثها من جذورها، تماشياً مع الرغبة والسعي الشعبي والرسمي لمحاربة الفساد والقضاء عليه، وصوناً للوحدة الوطنية الداخلية، وحفظاً لكرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الأحد, 06 تشرين2/نوفمبر 2016 17:10