شتاء اللاجئين الكارثي للسياحة والابتزاز
يتخوف اللاجئون السوريون، في دول الجوار على وجه الخصوص، من مغبات فصل الشتاء الذي بدأ يقرع الأبواب، وتحديات هذا الفصل، بثلوجه وأمطاره وفيضاناته، وانعكاساته السلبية عليهم وعلى أفراد أسرهم.
المعاناة الحقيقية التي يواجهها هؤلاء تتمثل بالنقص في وقود التدفئة بالإضافة إلى عدم تمكنهم من توفير المدافئ والبطانيات والمواد العازلة من عوامل تغيرات الطقس، وغيرها من الاحتياجات الضرورية لحمايتهم من البرد والأمطار، بما في ذلك النقص بالأدوية والعلاجات الصحية اللازمة، أو الوقائية من عوامل البرد ونتائجه، وتحديداً من حيث توفر الأغذية المناسبة نوعاً وكماً، من أجل تدعيم المناعة لمواجهة أمراض الشتاء وتداعياتها.
مخيمات الانتشار
مخيم الزعتري- مخيم الرقبان- مخيم أطمة- مخيم السروج- مخيم سليمان شاه، وغيرها الكثير من المخيمات المنتشرة على الحدود في دول الجوار أو بداخلها، كانت تعتبر مآوي مؤقتة لملايين السوريين الذين فروا قسراً من ديارهم في الداخل السوري بفعل الحرب والأزمة وتداعياتها، وخاصة على مستوى السلامة والأمان، وليس في جعبهم سوى الملابس التي عليهم، وكانوا يأملون بالعودة سريعاً، ولكن شاءت أقدارهم السيئة أن يستمر مقامهم في هذه المخيمات المؤقتة حتى الآن، مفتقدين لأبسط مقومات الحياة.
تقديرات أممية
تقديرات أعداد اللاجئين في دول الجوار ما زالت على حالها تقريباً حسب ما هو موثق لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بموجب بياناتها الإحصائية لمن يحتاج إلى المساعدات من هؤلاء، حيث يوجد بهذه الدول بحدود 4 مليون سوري موزعين على الشكل التالي: 2.8 مليون في تركيا- 1.7 مليون في لبنان- 630 ألف في الأردن- 240 ألف في العراق- 125 ألف في مصر، بالإضافة للبعض من غير المسجلين ضمن إطار المساعدات، والبعض الآخر الذي وصل إلى دول أوربا أو إلى غيرها من الدول، حيث يقدر مجموع اللاجئين السوريين الإجمالي بحدود 5 مليون سوري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأرقام الإحصائية، وإن كان مصدرها أممي، لها طابع التضخيم والتهويل أحياناً، وعلى مستوى الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها السوريون، فقد أصبحت هذه الأرقام مبرراً للكثير من البازارات السياسية يستخدمها البعض من أجل غاياته وأهوائه ومصالحه، في معرض المزاودة على الكارثة كما على السوريين أنفسهم بنهاية الأمر.
2 مليون لاجئ معرض لكارثة
تشير تقديرات تقارير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار يعيشون في مآوٍ دون المستوى المطلوب، وخاصة على مستوى تحديات فصل الشتاء وتداعياته، أي بحدود 2 مليون لاجئ سوري معرضين لنتائج كارثية خلال فصل الشتاء الحالي.
وبحسب تقديرات المفوضية أيضاً فإن نصف أعداد اللاجئين تقريباً هم من الأطفال، ما يعني بالنتيجة أن مليون طفل سوري معرضة حياته للخطر على مستوى البقاء، بظل عدم توفر الإمكانات لمواجهة فصل الشتاء سواء من حيث وسائل التدفئة أو من حيث الوارد الغذائي، أو من حيث النقص بالأدوية والعلاجات وغيرها.
تحديات وجودية
التحدي أمام هؤلاء اللاجئين حسب الإمكانات المتوفرة لدى المفوضية تتمثل بتوفير المساعدات الطارئة للعائلات، من توفير المأوى والمساعدات المنقذة للحياة، وتأمين الموارد الكافية من أجل منح هؤلاء فرصة للصمود في وجه العواصف.
هذا التحدي مر عليه أعوام حتى الآن، وهو ما زال قائماً، على الرغم من كل المعاناة المنقولة صوتاً وصورة خلال فصول الشتاء المتعاقبة خلال السنين الماضية، دون جدوى، حيث ما زال هؤلاء اللاجئين يواجهون تداعيات البرد والأمطار والعواصف والفيضانات شتاءً بعد آخر، مستهلكاً صحتهم وفرص بقائهم ونجاتهم.
في لبنان
في لبنان حوالي 1.7 مليون لاجئ سوري منتشرين في أرجاء البلاد كافة، موزعين على 1700 موقع، والغالبية منهم يعيشون في المرتفعات الجبلية الباردة أو في وادي البقاع الذي يتسم بالبرودة أيضاً، وجزء هام من هؤلاء يعيش في مخيمات عشوائية، والبعض يستأجر في مبان غير مكتملة أو في المرائب وبعض المزارع ومواقع العمل، وحتى بعض المستأجرين، الذين يدفعون 200 دولار شهرياً كبدل إيجار تقريباً، فهم غير مخولين بإدخال بعض التعديلات الهيكلية على تلك المباني من أجل تحسينها لمواجهة متغيرات الأحوال الجوية، حيث أن هذه التحسينات تحتاج إلى موافقات من أصحاب الملك ومن قبل الحكومة وجهاتها التنفيذية، بالإضافة إلى تكاليفها المرتفعة أصلاً.
هؤلاء عانوا خلال فصول الشتاء الماضية من تحديات البرد وخاصة عندما تزيد الثلوج والأمطار، ناهيك عن معاناتهم الأكبر عندما يتعرضون للفيضانات التي تأتي على خيامهم مخلفة برك الماء والمستنقعات، وما تحمله معها من تداعيات على المستوى النفسي والصحي والبيئي، وغيرها، وخاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن.
في الأردن
واقع اللاجئين السوريين في الأردن أشد وطأة، فهم يعانون من مستويات شديدة من الفقر، وتشير توقعات مفوضية اللاجئين أن يزداد وضع هؤلاء سوءاً أكثر فأكثر، حيث أشار أحد التقارير إلى أن 9 من أصل 10 لاجئين مسجلين في الأردن هم فقراء.
هؤلاء اللاجئون، الذي يقدر عددهم بـ 630 ألف لاجئ، لا يستطيعون تحمل نفقات المواد الأساسية، من أغذية وألبسة وأدوية وغيرها، فكيف بمستلزمات الوقاية من متغيرات عوامل الطقس ومن البرد والشتاء الذي أتى عليهم في المواسم السابقة بالأهوال، خاصة وأن غالبية اللاجئين في الأردن هم من النساء والأطفال حسب مفوضية اللاجئين، وهم يعيشون في مخيمات وأماكن سكن دون المستوى المطلوب.
ففي مخيم الزعتري على سبيل المثال، يعيش أكثر من 80 ألف سوري، يشكل الأطفال نصف عددهم تقريباً، وقد ضربت العواصف والأمطار هذا المخيم، كما غيره من المخيمات الأخرى، وخاصة مخيم الرقبان الحدودي الذي يعيش فيه بحدود 60 ألف سوري، خلال فصول الشتاء الماضية أكثر من مرة، مخلفة وراءها خيماً مهدمة وممزقة بفعل الرياح وثقل الثلوج المتساقطة، وعشرات العائلات التي باتت بلا مأوى على أثر ذلك، ناهيك عن الأمراض بنتيجة التدني الكبير في درجات الحرارة، التي كانت خطراً مباشراً هدد حياة المئات منهم، بالإضافة إلى تداعيات ذوبان الثلوج الذي شكل فيضانات تزامناً مع استمرار هطول الأمطار، مخلفةً الكثير من الأضرار، ليس على مستوى الملكيات الصغيرة والمقتنيات البسيطة فحسب، بل على مستوى برك المياه والمستنقعات التي تحولت إلى وحول متجمدة، كانت سبباً إضافياً للكثير من الإصابات، ناهيك عما لحق من أضرار على مستوى انقطاع التيار الكهربائي، الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة للتدفئة، ذلك كله يجعل من وضع هؤلاء اللاجئين أكثر سوءاً على كفة المستويات.
في تركيا
حسب إحصاءات المفوضية فإن 2.8 مليون لاجئ سوري مقيمون في تركيا، وحسب المفوضية فإن 80% من هؤلاء هم من النساء والأطفال، كما أن غالبية الأطفال غير مصحوبين، أو مفصولين عن ذويهم.
بالمقابل فإن 90% من اللاجئين في تركيا يعيشون في المناطق الحضرية، بعضهم في مخيمات، والبقية تعيش في المخيمات الحدودية، وهؤلاء كلهم، كما غيرهم من اللاجئين في بقية دول الجوار، يعانون من مغبات فصل الشتاء وتداعياته السلبية على المستويات كافة، وخاصة المقيمين في المخيمات الحدودية، التي تفتقر للكثير من مقومات الحياة، ناهيك عن استمرار تعرضهم للأخطار على مستوى السلامة والأمان، وفي تقرير للمفوضية بأن تلبية احتياجات المقيمين في المناطق الحضرية صعبة، فكيف بمن يقيم بالمخيمات الحدودية؟.
ففي مخيم سليمان شاه على سبيل المثال، يوجد 6 آلاف خيمة، يقيم فيها بحدود 70 ألف لاجئ، معظم هذه الخيام ممزقة وغير صالحة، وخاصة على مستوى تحمل تداعيات فصل الشتاء، ناهيك عن التشدد على المستوى الأمني بما يتعلق بالمقيمين في هذا المخيم، من منع التجول ليلاً، وتحويل المطالب الحياتية إلى مساءلات أمنية تصل لحدود الطرد خارج المخيم إلى العراء، وغيرها من الأساليب التي تجعل من العيش في هذا المخيم وغيره جحيماً لا يطاق.
مقصد سياحي وابتزاز سياسي
بالنتيجة فإن مخيمات اللاجئين السوريين في دول الجوار كانت وما زالت مقصداً سياحياً للكثير من الفنانين والفنانات من أجل التقاط الصور التذكارية والترويج الإعلامي، بالإضافة للبعض من الباحثين عن الأضواء من السياسيين، والكثير الكثير من المنظمات الباحثة عن التمويل والتغطية.
كما أن الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون عموماً، وفي مخيمات اللجوء خصوصاً، كانت وما زالت مجالاً رحباً للمزاودات والبازارات السياسية، على المستوى الإقليمي والدولي، على حساب معاناة هؤلاء وآلامهم اليومية المعاشة، مع تغييب حقيقي ومقصود عن وسائل الإعلام، ففي الكثير من المخيمات في دول الجوار هناك منعٌ تامٌ عن النقل الإعلامي لما يجري بداخلها ومع اللاجئين المقيمين بها، حيث لا تقتصر معاناة هؤلاء على مستوى تداعيات متغيرات الطقس وأحواله، بل هناك مشاكل عديدة لا حصر لها، اعتباراً من التعليم إلى الواقع الاجتماعي وبعض الآفات السلبية التي تتغلغل فيه، إلى الاستغلال على مستوى العمالة، وغيرها الكثير الكثير من أوجه المعاناة.
وختاماً لا بد من القول أن الخيار الوحيد، والذي لا بد منه من أجل وقف معاناة هؤلاء اللاجئين، ووقف الكارثة الإنسانية التي تعرض لها السوريين عموماً، تتمثل بالحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة فقط، وفقط لا غير، وغير ذلك ما هو إلا المزيد من المعاناة المستمرة، والكارثة الإنسانية التي تزداد تفاقماً عاماً بعد آخر.