إبداع حكومي جديد.. «الموز بدل القَطع»!
بشرى لأصحاب البطون الجائعة، فقد وافقت الحكومة العتيدة على استيراد الموز من لبنان الشقيق، وقد تم إقرار ذلك في جلسة رسمية للحكومة بتاريخ 2/11/2016، تحت عنوان تعزيز العلاقات الاقتصادية مع لبنان.
القرار المذكور كان بناءً على مقترح من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، المتضمن استيراد واحد كيلوغرام من «الموز اللبناني» مقابل تصدير خمسة كيلوغرامات من الحمضيات السورية، وذلك اعتباراً من أول شهر تشرين الثاني الجاري ولغاية نيسان من العام القادم.
رؤية اقتصادية عميقة!
من كل بد فإن الاقتصاديين سيقفون عاجزين عن تفسير عمق الرؤية الاقتصادية، لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وللحكومة بآن معاً، عبر اعتماد الموز كبديل عن القطع في عمليات التبادل التجاري فيما بين البلدان، خاصة مع أهمية الموز على المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى الحاجات الضرورية والحياتية المعيشية للمواطنين، ولما له من انعكاسات على جملة التطور الاقتصادي اللاحق!، وتحديداً على مستوى حل جزء من الأزمة التي يعاني منها السوريون باعتبارها كارثة من أكبر الكوارث على المستوى الإنساني!.
ولعل المواطنين سيستبدلون القَطْع بالموز في مراحل لاحقة بعملياتهم التبادلية اليومية في السرافيس ومحلات البقالة والتسجيل في الجامعات وعند الأطباء وغيرهم، أسوة بحكومتهم العتيدة!، أو لعل الحكومة تصدر طابعاً «موزياً» بدلاً عن الرسوم التي تتقاضاها على التعاملات الرسمية!.
موز لبناني!
ولكن ربما هناك خطأ ما في متن القرار المذكور، بعبارة «الموز اللبناني» أو «الموز من لبنان»، أو لعل هناك قفزة إنتاجية نوعية بالموز في لبنان، وأصبح لديها فائضاً منه بمواصفة جيدة وقابلاً للتصدير، ولم يعد لبنان مستورداً لهذه المادة وممراً لعبورها إلى بلدان الجوار، كما هو معروف وجرت عليه العادة منذ عقود وعقود.
فلم نسمع سابقاً عن موز لبناني بالمعنى التصديري، بل هناك نوع من المنتج اللبناني المحلي شبيه بالمنتج المحلي السوري من هذه السلعة الزراعية، وهو من دون شك ليس من النوعية التي تدخل حيز التصدير ناحية الكم والمواصفة، وبالتالي فإن عبارة استيراد «موز لبناني» تحمل بطياتها جزءاً من التلاعب على المفردة والعبارة، فهل في ذلك شيء من القصد المتعمد قد يستفيد منه البعض على حساب الآخرين، أثناء العمليات التنفيذية للقرار أعلاه، أم هو محض خطأ لغوي فقط؟.
انعكاسات وتداعيات
ممّا لا شك فيه أن تصدير الحمضيات له منافع اقتصادية، وهو مطلب دائم للمنتجين «فلاحين ومزارعين»، عسى أن يحد من خسائرهم السنوية، من أجل الاستمرار بالعملية الإنتاجية وعدم هجرة أرضهم وزراعتهم، أو التحول إلى الزراعات البديلة، كما له منافع على مستوى الاقتصاد بشكل عام بمقابل بدل القطع الناجم عن العملية، كما هو مفترض.
هل سيحل القرار العتيد مشكلة فائض الإنتاج بالحمضيات التي يعاني منها الفلاحون والمنتجون بشكل سنوي؟، وهل سيتخلصون من تحكم التجار والمصدرين بهم بناءً عليه؟، أم أن خلف الأكمة ما وراءها؟.
بالأحوال كلها فقد صدر القرار العتيد الذي اعتمد مبدأ تعزيز العلاقات الاقتصادية مع لبنان «عبر الموز»، بمقابل تصدير خمسة كيلوغرامات من حمضياتنا لقاء استيراد واحد كيلو غرام من موزها.
أما والحال كذلك بموجب القرار أعلاه فقد خسرنا المنفعتين كلتيهما، حيث سيبقى الفلاحون والمنتجون تحت رحمة حيتان التجار والمصدرين والسماسرة الذين سيترجمون هذا القرار على المستوى التنفيذي لمصلحتهم فقط، كما لن يدخل القطع الأجنبي كبديل إلى الخزانة السورية بمقابل عمليات التصدير، بل سيستعاض عنه بالموز!.
المواطن بالانتظار!
ختاماً أنقل ما قاله أحد المواطنين الذين يعتمدون على تحويلات ذويهم من الخارج من أجل تأمين بعض مستلزمات حياتهم اليومية، بعد أن وصل إلى مسامعه مضمون القرار الحكومي، حيث قال: «ياخوفي بكرا يقبضونا (موز بناني) بدل العملة السورية بشركات التحويل، شو بدنا نعمل فيه؟!».
هنيئاً لنا بحكومتنا الرشيدة.. وهنيئاً للبنان الشقيق تعزيز علاقاته الاقتصادية معنا عبر الموز.. وهنيئاً لمستهلكي الموز القادم عبر الحدود.
والتهنئة الأكبر لكبار التجار والفاسدين، الذين باتوا يتحكمون بمقدراتنا حسب أهوائهم ولمصلحتهم، وبموجب سياسات وقرارات حكومية ما زالت تسعى إلى ملء جيوبهم على حسابنا وعلى حساب معيشتنا ومستقبلنا.
وبانتظار إبداعات حكومية أخرى..!.