اللائحة المطلوبة

حدثني صديق فقال: في خمسينات القرن الماضي، انطلقت من القرية إلى المدينة، لحاجتي إلى وثيقة رسمية. تعطل بنا الباص، فوصلت في آخر الدوام إلى الدائرة التي كان قد بقي فيها موظف واحد، عرضت عليه طلبي، أجابني تعال غداً. حسبتها سريعاً: «… غداء وعشاء ونوم في الفندق، سيكلفني أكثرمن سبع ليرات سورية، عدا هدر يوم» ودون أن أتجرأ على النظر في عينيه، أشرت له بإصبعين حركتهما، تردد قليلاً، ثم أنجز الوثيقة، وخرج إلى قرب الباب، وتلفت حوله بحذر، وبيد مرتجفة قبض الليرتين وقال هامساً برجاء حار:

■ أستاذ ..إذا مو من خاطرك بلاها..

■■  بل، أشكرك كثيراً لأنك.. قاطعني:

■ اسمعني جيداً،  القضية فيها فضيحة، وسوء سمعة وقطع رزق.

وقبل أيام حدثني صديق آخر، عن معاملة له في إحدى الدوائر، قال: كلما راجعتها طلبوا مني وثيقة جديدة، ثم تذرع الموظفون بغياب المدقق، ثم حضر المدقق وغاب المدير.. وتعال غداً.. وكل غد يجر وراءه غداً آخر.

نفد صبري، اقتحمت الدائرة يائساً وأنا أنوي القتال،ودون أن أحيي قلت بغضب:

■ شو صار في المعاملة.. ما حلاَّ تطلع من ….؟

■■ السلام لله استاذ طوِّل بالك..

■ يعني أطول من عشر مراجعات؟ شو هالاستهتار؟1

■ بسيطة أستاذ تكرم.. استريح شوي

بعد جلوسي قدم لي سيجارة، وقال باسماً:

■■ دخن عليها تنجلي.. لازم نتحمل بعضنا ونتساعد.

وراح يفتش بين أكداس المعاملات، وفي الوقت الذي أخذت افكر في قصده من وراء كلمة نتساعد، بادرني زميله:

■ إن شاء الله حاسدينا على زيادات الرواتب، اللي شفطتها زيادات الأسعار..

■■ الله يكون بعونكم. وقال بلباقة:

■ كلكم نظر ياأستاذ..افهمهاه بقا، دهن عليها تنجلي.

وحدثني آخر بأن الموظف قال له متحدياً:

■■ ناولني المطلوب وإيدك وماتطال… كلنا بالهوا سوا.

وإذا كانت الرشوة قد وصلت إلى هذا المستوى من العلنية، فإنني أقترح، أن تعلق الدوائر المشموسة ـ إن كانت قد بقيت دائرة  ما غيرمشموسة ـ لائحة تذكر فيها مبلغ إكرامية كل معاملة، حرصاً  على وقت المراجع والموظف وأعصابهما وتعبهما وصحتهما .

 

■ عبدي العابد