نموذج امتحاني في كلية الاقتصاد
ما إن تبدأ الامتحانات في كلية الاقتصاد حتى تبدأ رحلة الطالب الشاقة .. ففي البداية نراه وقد تحول إلى لاعب كرة قدم أمريكية يتدافع ويتزاحم مع لا يقل عن 1000 طالب في كل امتحان، ليتمكن من الاطلاع على ورقة A4 بغية معرفة اتجاه رحلته للوصول إلى مقعده في قاعة الامتحان .. وبالتأكيد فإن من يجد اسمه ورقمه داخل الكلية هو سعيد الحظ فقط، لأن البقية سيكون عليهم خوض سباق ماراتوني جديد، في محاولة شبه يائسة، للوصول خلال 5 دقائق على الأكثر إلى إحدى الكليات المتناثرة في تلك المنطقة! وأحياناً قد يركض الطالب لمدة 10 دقائق إذا كانت قاعته في كلية الشريعة أو في هنغارات كلية الحقوق..
والمأساة لا تنهتي عند هذا الحد، فبعد السعي اللاهث تحت أشعة الشمس الحارقة، وقبل أن يحمد الطالب ربه لوصوله إلى قاعته يجد واقعاً كارثياً بانتظاره.. حيث أن قاعات الامتحانات غير مؤهلة ولا يتوفر فيها الحد الأدنى من الراحة لا النفسية ولا الجسدية..
ففي درجات حرارة تتجاوز في معظم الأحيان الـ 40 درجة مئوية، تنعدم في القاعات الامتحانية المراوح (طبعاً لن نتحدث عن التكييف لأنه غير موجود في أي كلية).. ومن المشاهد المثيرة للشفقة والألم في آن واحد والتي حدثت مؤخراً، كانت عند تقديم الطلاب لمادة الرياضيات في مدرجات كلية الفنون، هذه المدرجات التي لا تحوي على أي منفذ للهواء سوى باب المدرج المطل أصلا على بهو مغلق! الأمر الذي كاد أن يصل ببعض الطلاب إلى درجة الاختناق، وكل هذا يأتي طبعاً بعد الجري واللهاث المحموم للوصول إلى المدرجات بسبب ضراوة المباراة الأولية أمام ورقة توزيع الأسماء..
بعد ذلك تأتي مشكلة تأخر وصول الأسئلة إلى قاعة الامتحان، حيث يتم هدر وقت ثمين على حساب الطالب، ومن ثم، وما إن يحاول الطالب تناسي كل هذه المشاكل والشروع بحل الأسئلة وكتابة الأجوبة، تبدأ الجلبة.. فمن هنا يعلو صوت مراقب منفعل راغب بإثبات سطوته و(متانة) شخصيته بصراخ غير مفهوم غايته فقط ترهيب الطلاب.. ومن هناك تأتيك أصوات (الحويصة) الذين لا أحد يعرف ما هي وظيفتهم أو صفتهم..
كل هذه الأشياء غير المقبولة يضطر الطالب للقبول بها مرغماً.. إلا أن الطامة الكبرى أن المسألة قد لا تتوقف عند هذه الحدود، ففي بعض الأحيان قد لا يجد الطالب مكانا له في القاعات، فتعمد إدارة الكلية إلى وضعه مع بعض زملائه في ممرات الكلية وبهوها!!
إن معظم مشاكل الامتحانات حلولها بسيطة .. فمن غير المفهوم أن تكون حصة التعليم العالي من موازنة الدولة بمليارات الليرات السورية ولا تستطيع وزارة التعليم أن تخدم القاعات بالتكييف المناسب الصيفي والشتوي.
وبالعودة إلى مشاكل كلية الاقتصاد، فمن الغريب أن معظم الكليات حلت مشكلة توزيع الطلاب عند كل امتحان بإعطاء كل منهم مكاناً محدداً يلتزم به طوال فترة الامتحانات عدا هذه الكلية، لذا نطالب إدارة الكلية أن تجاري مثيلاتها في باقي الكليات والعمل الفوري لإيقاف مهزلة التدافع بين الطلاب التي طالما أدت وتؤدي إلى حوادث وصدامات بين الطلبة.
لا تنفصل هذه المشاكل عن السياسة المتخلفة للتعليم العالي في بلدنا والتي أصبحت بحاجة إلى تغيير جذري في أسرع وقت ممكن قبل أن تقع الفأس في الرأس.