بخط فمه..!

بسم الله الرحمن الرحيم.. اسمع يا صديقي: «لا يسعدني أبداً أن أنتصر على أحد، ولكن يسعدني أن أرى غيري ينتصر علي بجدارة واستحقاق».

■ (سعد أحمد حورية)

هذه النصيحة كتبها سعد أحمد حورية بخط فمه! نعم بخط فمه، فهو شاب ذو إعاقة جسدية منذ الولادة حيث لا أيدي ولا أصابع واضحة المعالم لديه، مما دفعه للعمل في مجالات عدة تناسبه لكسب رزقه ومواجهة ضنك الحياة وصعوبة استجداء الناس ونظرات المارة التي لا تنفك تجلده ببلاهة حيناً وشفقة أحيانا.

لذا قرر أن يعمل بمهنة (العرض حالجي) والتي تعني رفع المظالم إلى الوالي في ذاك الزمان إلا أنه يحتاج لمن يرفع الظلم عنه وعن أمثاله.

التقيته صدفة أمام القصر العدلي حيث اتخذ له مكاناً مميزاً استحقه بجدارة بين عشرات الوجوه التي أصبحت من الأوابد... كان يمسك القلم بفمه وبمساعدة أشباه الأصابع تلك يخط بإتقان على ورقة مثبتة على لوح خشبي بمشبك معدني من الأعلى وشريط مطاطي من الأسفل، يفتي لهذا ويسدي النصح لذاك فهو الخبير بمتاهات القانون و(دخلاتو وفوتاتو) كما أسماها... فأصبح خلال فترة وجيزة مرجعاً لا يشق له غبار ومعروضه لا يرد وزبائنه كثر وبالعشرات ـ طلاق، زواج، استئناف، استمهال، جنايات، جزاء...إلخ. منهم مدفوع بالشفقة ومنهم بالحاجة أو بالطرافة.

سألته إذا كان قد سمع ببرامج التأهيل وتلك المؤتمرات التي تنعقد بهدف دمج المعاق بالمجتمع؟ رد ساخراً بعبارة (شائعة الاستخدام) ثم أردف: كلو كلام فاضي وحكي جرايد وما حدا شايفنا...!! لقد تقدمت بعشرات الطلبات للحصول على كشك (انستر منو)، لكن دون جدوى وكما قال بالحرف الواحد (الله وكيلكن)...: إنهم يريدونني أن أكون (داسوس ومفسفس الهن)، وقبل أن أغادره طلب مني أن أقدم شكر خاص باسمه للأستاذ المحامي محمد دهيمش الذي بدوره ساعده بالوصول إلى النائب العام الأول الأستاذ مروان اللوجي والذي يتقدم له بالشكر أيضاً لمنحه ترخيص بكتابة العرائض وهذا أحسن بكثير من كتابة شغلة ثانية...!! على حد قوله...

وببضع عبارات بدت باردة وتافهة أمامه بالرغم من حرارتها وخاصة بعد أن رفض اعتباري كأي زبون...!! استودعته وانصرفت مطرقاً...

 

■ أيمن العيسم