تحية إلى كل شيوعي
من منا لايعرف تلك الموضوعة الرائعة والقائلة المعقول يتحول إلى واقع والواقع غير المعقول يتلاشى ويضمحل وينتهي، أو بعبارة أخرى فإن كل واقع كان إمكانية، ثم أصبح في طريقه كي يحل في الواقع إمكانية عقلانية تستند إلى مقوماتها ودعاماتها الموضوعية، لكن ما يرتبط بالحركة الاجتماعية يتطلب فعل الإنسان وإرادته وقدراته، وما يتعارض مع متطلبات الحركة الاجتماعية، يستند إلى الإرادوية ومبرراتها التي تفقد طابعها العقلاني ومقوماتها الموضوعية حيث تغطي المبررات حالة فقدت كل موضوعية وأصبحت مناقضة بصورة فاقعة لضرورات النضال الوطني والاجتماعي.
لقد أصبحت وحدة الشيوعيين السوريين في ظروف وطننا بالغة الأهمية وضرورة متزايدة الوضوح خاصة وأن الوطن فوق كل اعتبار، وأن الوحدة الوطنية الفعلية والفاعلة السبيل المجرب في النضال الوطني العام ضد الإمبريالية والصهيونية، فكيف يمكن الجمع بين المصداقية من جهة وبين واقع الحال من جهة أخرى خاصة وأن كل الشيوعيين بمجموعاتهم التي تكونت منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن، كل تلك المجموعات تكرر أهمية الوحدة الوطنية، وضرورات النضال الوطني أضف إلى ذلك مصالح العمال والفلاحين وسائر المستغلين بما فيهم المثقفون وكافة الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، ناهيك عن أنه من البديهي القول أن جماهير الشعب تعتبر أن محك الموقف من كل تلك الشعارات هو جدية الشيوعيين في أن يتوحدوا.
عندما تعرض انجلز لمسألة الوحدة وجد أن جوهر المشكلة يكمن في البرامج، ويعرف كل ذي بصر وبصيرة أن تلك المجموعات اعتمدت وأقرت برامج تنطبق على المسائل الرئيسية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وأن تلك البرامج تتسم بخاصية أساسية وهي أنها لاتتضمن مطالب ومهام برنامجية تخرق سقف علاقات الإنتاج الرأسمالي كما تجمع على أفق الاشتراكية باعتبارها السبيل لإنهاء استغلال الإنسان للإنسان واضطهاد شعب لشعب.
إن كل ذلك وغيره يعمق التساؤل المعروف والداعي إلى تلمس العوامل الفعلية التي تتخذ حجة للحيلولة دون وحدة الشيوعيين السوريين، ولم يعد الأمر لغزاً بل بات مكشوفاً حيث العوامل الذاتية الدونية المستندة إلى نظرة قاصرة في السياسة والتي تكونت تحت تأثير التغيرات التي أصابت عالمنا وأنتجت حالات متنوعة من اليأس كان أحد أخطر مظاهرها اللهاث وراء مصالح نفعية ضيقة أدت إلى معادلة غريبة وهي أن الحزب معادل في وجوده لإصدار جريدة.
نعم إن وحدة الشيوعيين ليست بالعملية السهلة لكن أخطر الأسباب المبررة لاستمرار التشرذم لايستند إلى الواقع الراهن المتكون، بل إن تلك المبررات أصبحت غريبة عن الواقع، وفي المعالجة العقلانية ينبغي تجنب أية إضافة غريبة بما فيها المهام التي لاتطرحها الحياة في الظروف الحالية.
إن الصعوبات التي تواجه وحدة الشيوعيين يمكن وينبغي تذليلها ويمكن أن تكون البداية تكوين لجنة من تلك المجموعات الشيوعية الموجودة تحت أي اسم كان مع من هم على مسافة واحدة من تلك المجموعات، ويمكن لهذه اللجنة أن تتوسع نحو مجموعات شيوعية أخرى توافق على النقاط السياسية الأساسية، وبعبارة أخرى يمكن أن تكون البداية تكوين تيار شيوعي يتوحد في المهام المباشرة وفي التوجهات الأساسية السياسية.
إن تلك اللجنة تتمتع بصلاحيات البحث في كل المجالات وإصدار البيانات المتعلقة بالقضايا المتفق عليها ويمكنها صياغة مهام مشتركة وتنظيم أنشطة مشتركة ومتنوعة تشمل السياسة والفكر والاقتصاد والنشاط الجماهيري، ويمكن لهذه اللجنة أن تقدم قوائم مشتركة في ميدان الأنشطة المتنوعة. وتعمل تلك اللجنة بأفق صياغة برنامج واحد للتنظيمات الشيوعية. وفي مرحلة لاحقة تبحث في صياغة النظام الداخلي الذي يطبق في المرحلة الأولى دون أن تكون الوحدة التنظيمية قد نضجت في كل أبعادها.إن الموقف من الآن فصاعداً ينبغي أن يتحدد على أساس مدى جدية كل مجموعة في المبادرة إلى تقديم كل ماتراه كي يدخل الشيوعيون أبواب مرحلة جديدة في حياة بلادهم من أجل كرامة الوطن والسيادة ومن أجل تحرير الجولان ومجابهة خطط إدارة بوش والصهيونية وفي سبيل الديمقراطية الوطنية ومصالح المستغَلين وتطوير الوطن اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وراية الماركسية لن تنكس ولن تحجبها في نهاية الأمر فنون التحايل وأساليب تحويل الحزب إلى أداة للارتزاق والانتفاع بعيداً عن تفعيله سياسياً واجتماعياً وفكرياً.
إن وحدة الشيوعيين ليست حالة يلخصها إضافة عدد إلى عدد، إنها حالة نوعية بكل مكوناتها السياسية والتنظيمية والاجتماعية، إنها حالة وطنية ضرورية للنضال الوطني ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية .
في 2/9/2005