كمال مراد وداعاً...!
ما إن هممت بالحديث عن – كمال مراد- الشيوعي المبدئي، وصاحب الموقف – محاولاً اختصار سيرة هذا الرفيق في مقال سريع ، بدلاً عن دمعة أذرفها ، وجدت أنني غير قادر على ذلك، لأنّ علاقتي بأبي مفيد – تعود إلى بداية تفرّغه في جريدة – نضال الشعب - منذ حوالي خمسة عشر عاماً ، حينما كان أحد كتّاب هذه الجريدة ،والتي كان يرأس تحريرهاالرفيق د. قدري جميل .
ثمّة مواقف كثيرة مع هذا الصحفي الاستثنائي، أجدني مضطرّاً لأن أتطرّق إليها ، فهو اختار منذ نعومة أظافره أن يكون منحازاً إلى الفقراء ، والبسطاء ، بعيداً عن الطريق المختصر إلى المكاسب، والمنافع الشخصية ، لا سيّما أنّ الصحفيّ لقادر أن يتكسّب من خلال الممالقة التي تمحو الإملاق ، أو أن يأكل "جبنه بجبنه! " كما يقول المفكّرالإنسان هادي العلوي ، بيد أنه كان من ذلك الأنموذج الأبيّ الذي يأبى التهافت ،ويختار السير في الاتجاه المعاكس دائماً، مهما كانت ضريبة ذلك غالية...!.
لقد كان أبو بحر ، أحد هؤلاء الصحفيين الذين يعملون بإخلاص ، فهو إضافة إلى براعته في إعداد الريبورتاج الصّحفي ، وكتابة الزاوية الصحافية ببراعة ، كان كذلك يعدّ مواد جريدته –بيده- سواء كان ذلك في مرحلة – نضال الشعب- أم في مرحلة قاسيون – كما عرفته عن قرب ، عندما أعددنا معاً ريبورتاجات مشتركة، منها ذلك الريبورتاج المهمّ عن الحياة الزراعية في منطقة الجزيرة الذي تمّ نشره، وتوقيعه، باسم" موفد الجزيرة" .
ولعلّ إعجابي بأبي بحر بلغ ذروته – في المؤتمر التاسع – للحزب الشيوعيّ عندما كنا مندوبين فيه ، حيث قمت منذ أولى دقيقة مبدياً ملاحظاتي على المؤتمر ، مشيراً إلى بعض التجاوزات التنظيمية ، حتّى وجدت كثيرين من حولي ضاقوا ذرعاً بطروحاتي ، وحاولوا إقناعي بالكفّ عن ممارسة هذا الضرب من الّنقد ، وهو ما لا أريد-الآن- الإشارة إليه ،والخوض في ترهات تفاصيله ، لعدم خدمته وحدة الشيوعيين السوريين ، ولأني أرى أن له مكانه الخاص في اللقاءات الشيوعية ، لأنّ أدوات الحوار- من وجهة نظري - لما تستنفد ، بعد .
آنذاك ، وجدت إلى جانبي رفاقا ً كثيرين، منهم الكاتب المرحوم عادل الملا- وكمال مراد ، والكاتب وليد معماري( أمد ّ الله عمره )– وإن كان أبوخالد - أي الرفيق وليد – اختلف عن ثلاثتنا، بأنه تابع المسير ضمن صفوف الحزب ( الأم ّ) كما عرف رفاقناالآخرون أنفسهم - رغم مشاركته إيّانا- في نقاط الاختلاف واتفاقه معنا– ضمن المؤتمر ، بل ، و قبله ، تحديداً ، وهو موضوع آخر ، ولقد وجدت أبا بحركيف يحمل على ظهره حقيبته السوداء الصغيرة ، وهو يتقطّر ألماً لما آل إليه المؤتمر من تجاوزات هائلة ، لم أتمكّن- بدوري - من استيعابها – كما لا أنسى البتّة ، كيف أنه واجه حملة الاتّهامات التي وجهت إليه- كردة فعل لا أكثر - من قبل رفاقنا ضمن التنظيم الآخر – بروح استثنائية ، مقابلاً الحجّة بالحجّة الأقوى ، ليكون من عداد – قلّة – كنّا معاً" شكلنا" نواة الحالة الجديدة ، هذه الحالة التي باتت تستقطب كثيرين، يوماً بعد يوم!.
وإذا كنت أعجب لذلك الجلد العالي عند هذا الزميل الصحفيّ، وكيف أنه كان يواصل الليل بالنهار، والنهار بالليل، عشية إصدار أيّ عدد من الجريدة، فتكاد مقله، لا تعرف طعم الغفوة إلا بعد أن يصبح العدد الجديد تحت الطبع، وعلى الهواء....!و بعد أن يكون –قد لاحقنا- واحداً واحداً ممّن نكتب الجريدة ، كي نكتب للعدد الجديد ، يتابعنا عبر الهاتف لاستكمال أيّة معلومة ناقصة ، أو لاستدراك أيّ خلل فني ستتعرض له المادة ، سواء أكانت قد أرسلت يدويّاً ، أو عبر الفاكس الألكتروني في ما بعد ..!.
من هنا ، أعتقد أنّ أيّ تأريخ لجريدتي : نضال الشعب – قاسيون – لابدّ وأن يكون لاسم أبي مفيد حضوره فيه، كواحد من أبرز من قدموا زهرة شبابهم لهذه الصحافة الشيوعية ،رغم الاختلاف ، هنا أو هناك ، ودون أن يستكين حتّى لصافرة – القلب- وهي تنذره- لاسيما - في السنتين الأخيرتين ، لأنّ قلبه كان لا يزال متعلّقاً بجريدته ،وهوفي – غرفة العناية المشدّدة – أو في فترةالنقاهة التي احتال عليها ، باختصارها ، دون أن يأخذ برأيّ رفاقه في أسرة التحرير، منطلقا ً بروح بلشفي حقيقي ، فعلاً ....! ً
■ إبراهيم اليوسف