الحفاظ على البيئة ليس من الكماليات
عندما أُنشأت وزارة دولة للبيئة استبشرنا بها خيراً، لاسيما بعد الخراب الهائل الذي أصاب البيئة السورية بهوائها ومياهها وتربتها وسمعها وبصرها، ولكن فرحتنا بها لم تكتمل لأسباب كثيرة، أهمها أن الهيكل التنظيمي لهذه الوزارة لم يكتمل على ما يبدو حتى الآن، ولكونها وزارة متخصصة بشؤون البيئة كنا نتوسم منها الخير الكثير للحد من هذه التلوث، ولو أنها تبذل جهوداً في بعض المحافظات من أجل الغاية التي وجدت لأجلها رغم محدودية إمكانياتها.
ومن يتابع موضوع البيئة وتلوثها وما ينجم عنها من آثار جانبية عديدة ضارة، يرى العجب، فمثلاً أنّ حي غزال التابع لبلدية منطقة السبينة بريف دمشق البالغ تعداد سكانه أكثر من 50000 نسمة، وسبينة لا تبعد عن دمشق سوى بضعة كيلومترات، يحتاج إلى خدمات جمة حتى يقال عن قاطنيه إنهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين، فمياه الشرب النظيفة لم تصل إليه بعد، وطرقه تشبه طرق القوافل التي كانت موجودة في العصور الوسطى موحلة وغير معبدة، ولذلك اعتاد سكانه أن يلبسوا (الجزم) شتاء أو أن يضعوا أحذيتهم في أكياس من النايلون اتقاء للطين المنتشر في دروبهم، ولكن أهم وأخطر الأمور التي تهدد قاطنيه وتنكد عليهم حياتهم هي انعدام النظافة وانتشار عدد من الأمراض بين أطفالهم، أهمها الجرب، نعم الجرب الذي أصبح مرضاً منقرضاً في أكثر بقاع العالم.
أما شارع فلسطين في منطقة مخيم اليرموك فيعاني قاطنوه من تراكم القمامة بجانب المؤسسة الاستهلاكية كما يقول الخبر، ما أدى إلى انتشار الحشرات والروائح، وتقصير البلدية في إزالة هذه القمامة المتراكمة منذ عدة أيام. علماً أن البلدية كانت تضع حاويتين في المنطقة المذكورة، أما الآن فلا توجد سوى حاوية واحدة معبأة بالقمامة وتتراكم حولها القمامة من كل الجهات ناشرة الحشرات والروائح الكريهة.
هذا مثال عما يجري في دمشق العاصمة ومحيطها، ولكن ماذا عن الأماكن الأخرى؟ فمحافظة درعا تعاني من تحديات ونقاط ضعف عديدة في مواجهة المشكلات البيئية الناتجة عن الصرف الصحي واستنزاف وتلوث الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية، والتخلص غير السليم من النفايات الصلبة، وانتشار مقالب القمامة بشكل عشوائي، ويمكن القول إن هذا الوضع ينطبق على أغلب البلدات والمدن والمحافظات الأخرى، ولكن ما يهدئ من وقع هذه المشاكل البيئية هو نشاط بعض المحافظات في التغلب عليها، فقد ناقشت اللجنة البيئية الفرعية بالسويداء في أحد اجتماعاتها كيفية تفعيل الحملة الوطنية للنهوض بواقع النظافة في المحافظة، واعتماد برنامج عمل تنفيذي للأعمال الميدانية للتنظيف لمدة شهرين وعلى مدار ستة أيام في الأسبوع للمدن الرئيسية وتحديد أدوار ومسؤوليات الجهات المعنية والمستلزمات المطلوبة لتنفيذ الحملة، وبدورها بدأت محافظة طرطوس التحضير لحملة جديدة تنظمها وزارة الدولة لشؤون البيئة، حيث اجتمعت كافة الجهات المعنية بالأمر في مديرية بيئة طرطوس لمناقشة واعتماد برنامج.
وعلى الرغم من النشاط الملحوظ نسبياً لوزارة البيئة للإقلاع في عملها فإن العديد من القضايا تقف كحجر عثرة في طريقها أهمها تنفيذ محطات معالجة النفايات الصلبة التي أضحت من الأولويات خصوصاً في المحافظات والمدن الكبيرة، كما يبدو أن الوزارة ومديرياتها تعاني نقصاً حاداً في الآليات التي لا غنى عنها في تنفيذ أعمال الصيانة كما أن الضرورات الملحة لحماية البيئة تقتضي وجود كوادر مختصة بقضايا البيئة وكيفية تفادي أخطار التلوث، وإيجاد مختصين في صيانتها والتخلص من شرورها.
إن وقف ظاهرة التلوث والتخلص من آثارها المدمرة أمر لا تستطيع المجتمعات والمنظمات الأهلية تحقيقه لوحدها، كما أن تجاهلها يعني تفاقمها إلى حدود يصبح من المستحيل إيقافها، وهنا لابد من تدخل الحكومة للقيام بإجراءات في هذا المجال مع سن التشريعات الضرورية للمحافظة على البيئة ومعاقبة كل من يلوثها بنشاطه أياّ كان هذا النشاط، وإن تغاضي الحكومات السابقة حتى الآن في عدم حل هذه الكارثة يعني أننا سنورثها للأجيال اللاحقة في حين أن طبائع الأمور ومنطق الحياة يقول كما نوهنا إليه سابقا أنه لا يحق لأحد أن يورث الأجيال القادمة خطر التلوث.